اخْتَلَفُوا أَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ " نَقَلَ هَذَا فِي الْمُسَوَّدَةِ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقُولَ " أَجْمَعُوا " إِذَا سَمِعْتَهُمْ يَقُولُونَ أَجْمَعُوا فَاتَّهِمْهُمْ، لَوْ قَالَ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا كَانَ (أَحْسَنَ) قَالَ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَكَذَلِكَ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا كَذِبٌ، مَا عَلَّمَهُ أَنَّ النَّاسَ مُجْتَمِعُونَ؟ وَلَكِنْ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ اخْتِلَافًا فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ: إِجْمَاعُ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ: لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَدَّعِيَ الْإِجْمَاعَ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، وَحَمَلَ الْقَاضِي إِنْكَارَ أَحْمَدَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى الْوَرَعِ، وَحَمَلَهُ تَقِيُّ الدِّينِ ابْنُ تَيْمِيَةَ عَلَى إِجْمَاعِ الْمُخَالِفِينَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ، أَوْ بَعْدَهُمْ، وَبَعْدَ التَّابِعِينَ، أَوْ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنَّمَا أَوَّلُوا كَلَامَهُ الْمَقْرُونَ بِالدَّلِيلِ الَّذِي يَرُدُّ تَأْوِيلَهُمْ ; لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي كَلَامِهِ لَفْظُ الْإِجْمَاعِ كَاسْتِدْلَالِهِ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ غَدَاةِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِإِجْمَاعِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مُقَيَّدٌ غَيْرُ الْإِجْمَاعِ الْمُطْلَقِ الَّذِي نَفَاهُ.
كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَذْكُرُونَ الْإِجْمَاعَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ، وَيَظُنُّ
بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ الْإِجْمَاعُ الَّذِي اصْطَلَحَ عَلَيْهِ أَهْلُ فَنِّ الْأُصُولِ الَّذِي حَدَثَ بَعْدَهُمْ، وَلِهَذَا ظَنَّ الْقَاضِي أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ اخْتَلَفَ فِي الِاعْتِدَادِ بِالْإِجْمَاعِ تَارَةً وَإِنْكَارِهِ تَارَةً أُخْرَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
الْإِجْمَاعُ فِي اللُّغَةِ جَمْعُ الْأَمْرِ وَإِحْكَامُهُ وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ، يُقَالُ: أَجْمَعُوا الْأَمْرَ وَالرَّأْيَ، وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ إِذَا أَحْكَمُوهُ وَضَمُّوا مَا انْتَشَرَ وَتَفَرَّقَ مِنْهُ، وَعَزَمُوا عَلَيْهِ عَزْمًا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الضَّرُورِيَّاتِ إِلَّا بَعْدَ الرَّوِيَّةِ وَالتَّدْقِيقِ وَالْمُرَادَّةِ فِي الشُّورَى، قَالَ تَعَالَى فِي حِكَايَةٍ عَنْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (١٠: ٧١) ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ إِلَّا الْإِمْضَاءُ وَالتَّنْفِيذُ، وَقَالَ فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ (١٢: ١٢) ، وَقَالَ حِكَايَةً لِقَوْلِ فِرْعَوْنَ لِلسَّحَرَةِ: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ (٢٠: ٦٤) ، وَالْإِجْمَاعُ لِلْأَمْرِ يَكُونُ مِنَ الْوَاحِدِ وَمِنَ الْجَمْعِ.
قَالَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ: وَفِي الْحَدِيثِ: مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ الْإِجْمَاعُ: إِحْكَامُ النِّيَّةِ وَالْعَزِيمَةِ، أَجْمَعْتُ الرَّأْيَ وَأَزْمَعْتُهُ وَعَزَمْتُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى، وَمِنْهُ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: " أَجْمَعَتْ صَدَقَةً " وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ: " مَا لَمْ أُجْمِعْ مُكْثًا " أَيْ: مَا لَمْ أَعْزِمْ عَلَى الْإِقَامَةِ، وَأَجْمَعَ أَمْرَهُ جَعَلَهُ جَمِيعًا بَعْدَ مَا كَانَ مُتَفَرِّقًا، قَالَ: وَتَفَرُّقُهُ أَنَّهُ جَعَلَ يُدِيرُهُ فَيَقُولُ مَرَّةً: أَفْعَلُ كَذَا، وَمَرَّةً أَفْعَلُ كَذَا، فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى أَمْرٍ مُحْكَمٍ أَجْمَعَهُ أَيْ: جَعَلَهُ جَمِيعًا، قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ: أُجْمِعَتِ النَّهْبُ، وَالنَّهْبُ إِبِلُ الْقَوْمِ أَغَارَ عَلَيْهَا اللُّصُوصُ، وَكَانَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute