للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَكْفُرُوا بِهِ فِي التَّنْزِيلِ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِهِ، فَهَذَا التَّنْزِيلُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِنَصِّ الْخِطَابِ أَوْ فَحْوَاهُ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (١: ٣٦) ، الْآيَةَ، وَهِيَ نَصٌّ فِي أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ أَتْبَاعَهُ بِاجْتِنَابِ الطَّاغُوتِ، وَقَالَ تَعَالَى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى (٢: ٢٥٦) ، إِلَخْ الْآيَتَيْنِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الزَّاعِمِينَ تَدَّعِي أَلْسِنَتُهُمُ الْإِيمَانَ بِاللهِ، وَبِمَا أَنْزَلَهُ عَلَى رُسُلِهِ، وَتَدُلُّ أَفْعَالُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِاللهِ وَإِيمَانِهِمْ بِالطَّاغُوتِ وَإِيثَارِهِمْ لِحُكْمِهِ.

وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَيْ أَنَّ الشَّيْطَانَ ـ الَّذِي هُوَ دَاعِيَةُ الْبَاطِلِ وَالشَّرِّ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ ـ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَقِّ مَسَافَةً بَعِيدَةً فَيَكُونَ ضَلَالُهُمْ عَنْهُ مُسْتَمِرًّا؛ لِأَنَّهُمْ لِشِدَّةِ بُعْدِهِمْ عَنْهُ لَا يَهْتَدُونَ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ.

قِيلَ لَهُ: فَمَا تَقُولُ فِي هَذِهِ الْمَحَاكِمِ الْأَهْلِيَّةِ وَالْقَوَانِينِ؟ قَالَ: تِلْكَ عُقُوبَةٌ عُوقِبَ بِهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ خَرَجُوا عَنْ هِدَايَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ فَإِذَا كُنَّا قَدْ تَرَكْنَا هَذِهِ الْهِدَايَةَ لِلْقِيلِ وَالْقَالِ وَآرَاءِ الرِّجَالِ مِنْ قَبْلِ أَنْ نُبْتَلَى بِهَذِهِ الْقَوَانِينِ وَمُنَفِّذِيهَا، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ آرَاءِ فُلَانٍ وَآرَاءِ فُلَانٍ وَكُلُّهَا آرَاءٌ مِنْهَا الْمُوَافِقُ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْهَا الْمُخَالِفُ لَهَا؟ وَنَحْنُ الْآنَ مُكْرَهُونَ عَلَى التَّحَاكُمِ إِلَى هَذِهِ الْقَوَانِينِ، فَمَا كَانَ مِنْهَا يُخَالِفُ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى يُقَالُ فِيهِ، أَيْ: فِي أَهْلِهِ: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (١٦: ١٠٦) ، الْآيَةَ، وَانْظُرْ إِلَى مَا هُوَ مَوْكُولٌ إِلَيْنَا

إِلَى الْآنَ كَالْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ بَيْنَ الْوَالِدِينَ وَالْأَوْلَادِ وَالْأَزْوَاجِ وَالزَّوْجَاتِ فَهَلْ نَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ؟ إِذَا تَنَازَعَ عَالِمَانِ مِنَّا فِي مَسْأَلَةٍ، فَهَلْ يَرُدَّانِهَا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ أَمْ يَرُدَّانِهَا إِلَى قِيلٍ وَقَالَ؟ فَهَذَا يَقُولُ: قَالَ الْحَمَلُ، وَهَذَا يَقُولُ: قَالَ الصَّاوِي، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، انْتَهَى مَا كَتَبَهُ عَنْهُ فِي الدَّرْسِ وَكَتَبْتُ فِي آخِرِهِ يَوْمَئِذٍ " يُحَرَّرُ الْمَوْضُوعُ " وَمُرَادُهُ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُ لَا قَوْلَ لِأَحَدٍ فِي قَضِيَّةٍ أَوْ مَسْأَلَةٍ مَعَ وُجُودِ نَصٍّ فِيهَا مِمَّا أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ، أَوْ مَا قَضَى بِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِإِذْنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ تَرَكُوا مَا جَرَى عَلَيْهِ السَّلَفُ مِنَ النَّظَرِ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ فِي كِتَابِ اللهِ أَوَّلًا، ثُمَّ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ وَفِي رَدِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِلَيْهِمَا، بَلْ عَمِلُوا بِآرَاءِ النَّاسِ الَّذِينَ يَنْتَمُونَ إِلَيْهِمْ، وَيُسَمُّونَهُمْ عُلَمَاءَ مَذَاهِبِهِمْ، وَإِنْ وُجِدَ نَصُّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ مُخَالِفًا لَهُ، وَيُحَرِّمُونَ الرُّجُوعَ إِلَى هَذِهِ النُّصُوصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الِاجْتِهَادِ الْمَمْنُوعِ عِنْدَهُمُ الَّذِي يُعَدُّ الْمُتَصَدِّي لَهُ ضَالًّا مُضِلًّا فِي نَظَرِهِمْ، وَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَى هَذَا الذَّنْبِ الَّذِي هُوَ اجْتِنَابُ تَقْدِيمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ وَرَأْيٍ أَنْ سَلِسَ الْمُسْلِمُونَ لِحُكَّامِهِمْ فِي مِثْلِ مِصْرَ، حَتَّى انْتَقَلُوا بِهِمْ مِنَ الْحُكْمِ يَقُولُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ مِنَ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ أَهْلَ الْفِقْهِ وَيَأْخُذُونَ بِمَا فِي كُتُبِهِمُ ابْتِدَاءً ـ وَافَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>