للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَقْتُلُونَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ وَرَدَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّهِيدِ عَلَى الْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ، قَالَ: " فَعَلِمْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنِ الْقَتْلِ، بَلْ نَقُولُ: الشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ، وَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِصِحَّةِ دِينِ اللهِ تَعَالَى تَارَةً بِالْحُجَّةِ وَالْبَيَانِ، وَأُخْرَى بِالسَّيْفِ وَالسِّنَانِ، فَالشُّهَدَاءُ هُمُ الْقَائِمُونَ بِالْقِسْطِ وَهُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللهُ فِي قَوْلِهِ: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ (٣: ١٨) ، وَيُقَالُ لِلْمَقْتُولِ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللهِ، وَشَهَادَتِهِ لَهُ بِأَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَاهُ هُوَ الْبَاطِلُ، وَإِذَا كَانَ مِنْ شُهَدَاءِ اللهِ بِهَذَا الْمَعْنَى كَانَ مِنْ شُهَدَاءِ اللهِ فِي الْآخِرَةِ كَمَا قَالَ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ (٢: ١٤٣) .

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الشُّهَدَاءُ هُمُ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ مِنْهُمْ فِي قَوْلِهِ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ، وَهُمْ أَهْلُ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ الَّذِينَ يُؤَيِّدُونَ الْحَقَّ بِالشَّهَادَةِ لِأَهْلِهِ بِأَنَّهُمْ مُحِقُّونَ، وَيَشْهَدُونَ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ، وَدَرَجَتُهُمْ تَلِي دَرَجَةَ الصِّدِّيقِينَ، وَالصِّدِّيقُونَ شُهَدَاءُ وَزِيَادَةٌ.

وَأَقُولُ: إِنَّ الشَّهَادَةَ الَّتِي تَقُومُ بِهَا حُجَّةُ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَهْلِ الْبَاطِلِ تَكُونُ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَالْأَخْلَاقِ، وَالْأَحْوَالِ، فَالشُّهَدَاءُ هُمْ حُجَّةُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْمُبْطِلِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحُسْنِ سِيرَتِهِمْ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ: لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ (٢: ١٤٣) ، مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي، وَتَفْسِيرِ (٢: ١٤٠) ، مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، وَيُرْوَى عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِالْحُجَّةِ، وَيَتَوَهَّمُ أَسْرَى الِاصْطِلَاحَاتِ، وَرَهَائِنُ الْقُيُودِ الْمُسْتَحْدَثَاتِ، أَنَّ حُجَجَ اللهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ هُمْ عُلَمَاءُ الرُّسُومِ حَمَلَةُ الشَّهَادَاتِ، الَّذِينَ حَذَقُوا النِّقَاشَ فِي الْعِبَارَاتِ، وَالْجَدَلَ فِي مُصَارَعَةِ الشُّبُهَاتِ، وَجَمْعَ النُّقُولِ فِي تَلْفِيقِ الْمُصَنَّفَاتِ، كَلَّا؛ إِنَّ حُجَجَ اللهِ تَعَالَى مِنَ النَّاسِ هُمْ أَعْلَامُ الْحَقِّ وَالْفَضِيلَةِ، وَمُثُلُ الْعَدْلِ وَالْخَيْرِ، فَمِنْهُمُ الْعَالِمُ الْمُسْتَقِلُّ بِالدَّلِيلِ وَإِنْ سَخِطَ الْمُقَلِّدُونَ، وَالْحَاكِمُ الْمُقِيمُ لِلْعَدْلِ، وَإِنْ كَثُرَ حَوْلَهُ الْجَائِرُونَ، وَالْمُصْلِحُ لِمَا فَسَدَ مِنَ الْأَخْلَاقِ وَالْآدَابِ وَإِنْ غَلَبَ الْمُفْسِدُونَ، وَالْبَاذِلُ لِرُوحِهِ حَتَّى يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَإِنْ أَحْجَمَ الْجُبَنَاءُ وَالْمُرَاءُونَ.

(الصَّالِحُونَ) هُمُ الَّذِينَ صَلُحَتْ نُفُوسُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَلَمْ يَبْلُغُوا أَنْ يَكُونُوا حُجَجًا

ظَاهِرِينَ كَالَّذِينِ قَبْلَهُمْ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ الْمُتَعَدِّي نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِمْ مَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْمُبْطِلِينَ، وَالْجَائِرِينَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هُمُ الَّذِينَ صَلَحَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الْغَالِبِ، وَيَكْفِي أَنْ تَغْلِبَ حَسَنَاتُهُمْ عَلَى سَيِّئَاتِهِمْ وَأَلَّا يُصِرُّوا عَلَى الذَّنْبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافُ الْأَرْبَعَةُ هُمْ صَفْوَةُ اللهِ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَدْ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>