للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَعْنَى: احْذَرُوا عَدُوَّكُمْ، وَالتَّحْقِيقُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ الْحَذَرَ الْخِيفَةُ وَيَلْزَمُهُ الِاحْتِرَازُ وَالِاسْتِعْدَادُ.

الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْحَذَرُ وَالْحِذْرُ: الِاحْتِرَازُ وَالِاسْتِعْدَادُ لِاتِّقَاءِ شَرِّ الْعَدُوِّ وَذَلِكَ بِأَنْ نَعْرِفَ حَالَ الْعَدُوِّ وَمَبْلَغَ اسْتِعْدَادِهِ وَقُوَّتِهِ، وَإِذَا كَانَ الْأَعْدَاءُ مُتَعَدِّدِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَخْذِ الْحَذَرِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْوِفَاقِ وَالْخِلَافِ، وَأَنْ تَعْرِفَ الْوَسَائِلَ لِمُقَاوَمَتِهِمْ إِذَا هَجَمُوا، وَأَنْ يُعْمَلَ بِتِلْكَ الْوَسَائِلِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا أَنِسَ غِرَّةً مِنَّا هَاجَمَنَا،

وَإِذَا لَمْ يُهَاجِمْنَا بِالْفِعْلِ كُنَّا دَائِمًا مُهَدَّدِينَ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ نُهَدَّدْ فِي نَفْسِ دِيَارِنَا كُنَّا مُهَدَّدِينَ فِي أَطْرَافِهَا، فَإِذَا أَقَمْنَا دِينَنَا أَوْ دَعَوْنَا إِلَيْهِ عِنْدَ حُدُودِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُعَارِضَنَا فِي ذَلِكَ، وَإِذَا احْتَجْنَا إِلَى السَّفَرِ إِلَى أَرْضِهِ كُنَّا عَلَى خَطَرٍ، وَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ: خُذُوا حِذْرَكُمْ كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ (٨: ٦٠) ، إِلَخْ، وَعَلَى النُّفُوسِ الْمُسْتَعِدَّةِ لِلْفَهْمِ أَنْ تَبْحَثَ فِي كُلِّ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ الْأَمْرِ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ.

وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ حَالِ الْعَدُوِّ، وَمَعْرِفَةُ أَرْضِهِ وَبِلَادِهِ، طُرُقِهَا وَمُضَايِقِهَا وَجِبَالِهَا وَأَنْهَارِهَا، فَإِنَّنَا إِذَا اضْطُرِرْنَا فِي تَأْدِيبِهِ إِلَى دُخُولِ بِلَادِهِ فَدَخَلْنَاهَا وَنَحْنُ جَاهِلُونَ لَهَا كُنَّا عَلَى خَطَرٍ، وَفِي أَمْثَالِ الْعَرَبِ: " قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا "، وَتَجِبُ مَعْرِفَةُ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ أَرْضِنَا بِالْأَوْلَى حَتَّى إِذَا هَاجَمَنَا فِيهَا لَا يَكُونُ أَعْلَمُ بِهَا مِنَّا.

وَيَدْخُلُ فِي الِاسْتِعْدَادِ وَالْحَذَرِ مَعْرِفَةُ الْأَسْلِحَةِ وَاتِّخَاذِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْهَنْدَسَةِ وَالْكِيمْيَاءِ وَالطَّبِيعَةِ وَجَرِّ الْأَثْقَالِ فَيَجِبُ تَحْصِيلُ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، ذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْحَذَرَ، أَيْ: وَلَا يَتَحَقَّقُ الِامْتِثَالُ إِلَّا بِمَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْوِقَايَةُ وَالِاحْتِرَازُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بِحَسَبِهِ، يُرِيدُ رَحِمَهُ اللهُ - تَعَالَى -: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ اتِّخَاذُ أُهْبَةِ الْحَرْبِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهِ مِنَ الْمَدَافِعِ بِأَنْوَاعِهَا وَالْبَنَادِقِ وَالْبَوَارِجِ الْمُدَرَّعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ السِّلَاحِ وَآلَاتِ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَكَذَلِكَ الْمَنَاطِيدِ الْهَوَائِيَّةِ وَالطَّيَّارَاتِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ تَحْصِيلُ الْعِلْمِ بِصُنْعِ هَذِهِ الْأَسْلِحَةِ وَالْآلَاتِ وَغَيْرِهَا وَمَا يَلْزَمُ لَهَا، وَالْعِلْمُ بِسَائِرِ الْفُنُونِ وَالْأَعْمَالِ الْحَرْبِيَّةِ وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ الْأُخَرِ كَتَقْوِيمِ الْبُلْدَانِ وَخَرْتِ الْأَرْضِ.

قَالَ: وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَارِفِينَ بِأَرْضِ عَدُوِّهِمْ، وَكَانَ لِلنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُيُونٌ وَجَوَاسِيسُ فِي مَكَّةَ يَأْتُونَهُ بِالْأَخْبَارِ، وَلَمَّا أَخْبَرُوهُ بِنَقْضِ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ اسْتَعَدَّ لِفَتْحِ مَكَّةَ، وَلَمَّا جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ لِتَجْدِيدِ الْعَهْدِ لِظَنِّهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِنَكْثِهِمْ لَمْ يُفْلِحْ وَكَانَ جَوَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ لَهُ وَاحِدًا.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِخَالِدٍ يَوْمَ حَرْبِ الْيَمَامَةِ: حَارِبْهُمْ بِمِثْلِ مَا يُحَارِبُونَكَ بِهِ، السَّيْفُ بِالسَّيْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>