للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى أَخْذِ الْحَذَرِ مَا هُوَ الْغَايَةُ لَهُ وَالْمَقْصِدُ مِنْهُ أَوِ الْمُتَمِّمُ لَهُ، فَقَالَ: فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا، النَّفْرُ: الِانْزِعَاجُ عَنِ الشَّيْءِ وَإِلَى الشَّيْءِ، كَالْفَزَعِ عَنِ الشَّيْءِ وَإِلَى الشَّيْءِ، كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ، وَمِنَ الْأَوَّلِ وَلَقَدْ صَرَفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذْكُرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (١٧: ٤١) ، وَهُمْ إِنَّمَا يَنْفِرُونَ عَنِ الْقُرْآنِ لَا إِلَيْهِ، وَمِنَ الثَّانِي النَّفْرُ إِلَى الْحَرْبِ وَفِيهِ آيَاتٌ، وَكَانُوا إِذَا اسْتَنْفَرُوا النَّاسَ لِلْحَرْبِ يَقُولُونَ: النَّفِيرُ النَّفِيرُ، وَالثُّبَاتُ: جَمْعُ ثُبَةٍ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الْمُنْفَرِدَةُ، وَالْمَعْنَى فَانْفِرُوا جَمَاعَةً فِي إِثْرِ جَمَاعَةٍ بِأَنْ تَكُونُوا فَصَائِلَ وَفِرَقًا، وَهُوَ الَّذِي يَتَعَيَّنُ إِذَا كَانَ الْجَيْشُ كَثِيرًا أَوْ كَانَ مَوْقِعُ الْعَدُوِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَهُوَ الْغَالِبُ، أَوِ انْفِرُوا كُلُّكُمْ مُجْتَمِعِينَ، إِذَا قَضَتِ الْحَالُ بِذَلِكَ، أَوِ الْمَعْنَى فَانْفِرُوا سَرَايَا وَطَوَائِفَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، أَوْ نَفِيرًا عَامًا، وَيَجِبُ هَذَا إِذَا دَخَلَ الْعَدُوُّ أَرْضَنَا كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ.

الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: النَّفْرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْحَرْبِ ثُبَاتٍ جَمَاعَاتٍ، وَلَا تَتَقَيَّدُ الْجَمَاعَةُ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَجَمِيعًا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهَذَا عَلَى حَسَبِ حَالِ الْعَدُوِّ، وَإِنَّ أَخْذَ الْحَذَرِ لَيَشْمَلُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةَ سَوْقِ الْجَيْشِ وَقِيَادَتِهِ وَهُوَ النَّفْرُ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا مِمَّا قَدْ يُتَسَاهَلُ فِيهِ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ فَأَمَرَ بِهِ بِهَذَا التَّفْصِيلِ، وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ لَكَانَ الِاجْتِهَادُ فِي أَخْذِ الْحَذَرِ مِمَّا قَدْ يَقِفُ دُونَهُ فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ النَّفْرَ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ إِلَى مُقَاوَمَةِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ أَنْ يُرْسَلَ الْجَيْشُ جَمَاعَاتٍ وَفِرَقًا كَمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ حَتَّى الْآنَ، فَإِذَا احْتِيجَ فِي الْمُقَاوَمَةِ إِلَى نَفْرِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ وَخُرُوجِهِمْ لِلْجِهَادِ وَجَبَ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ النَّفْرُ عَلَى كَيْفِيَّتَيْنِ الْأُولَى: أَنْ يُقَسَّمَ الْجَيْشُ إِلَى فِرَقٍ وَسَرَايَا، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَسِيرَ خَمِيسًا وَاحِدًا، لَيْسَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْأَوَّلُ.

قَالَ: وَيَتَوَقَّفُ امْتِثَالُ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا مُسْتَعِدَّةً دَائِمًا لِلْجِهَادِ بِأَنْ يَتَعَلَّمَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهَا فُنُونَ الْحَرْبِ وَيَتَمَرَّنُوا عَلَيْهَا بِالْعَمَلِ، فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُعَافَاةَ مِنَ الْخِدْمَةِ الْعَسْكَرِيَّةِ لَيْسَتْ شَرَفًا بَلْ هِيَ إِبَاحَةٌ لِتَرْكِ مَا أَوْجَبَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ.

أَقُولُ: وَيَدْخُلُ فِيهِ اقْتِنَاءُ السِّلَاحِ مَعَ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّمَرُّنِ عَلَى الرَّمْيِ بِالْمَدَافِعِ وَبِبُنْدُقِ الرَّصَاصِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، كَمَا كَانُوا يَتَمَرَّنُونَ عَلَى رَمْيِ السِّهَامِ، وَقَدْ قَصَّرَ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا وَسَبَقَهُمْ إِلَيْهِ مَنْ يُعَيِّبُونَهُمْ بِأَنَّهُمْ أُمَّةٌ حَرْبِيَّةٌ، فَصَارَتْ أُمَّةُ السَّلَامِ بِدَعْوَاهَا قُدْوَةً لِأُمَّةِ الْحَرْبِ فِي الْحَرْبِ وَآلَاتِهِ، فَيَجِبُ عَلَى الْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ أَنْ تُقِيمَ هَذَا الْوَاجِبَ بِنَفْسِهَا لَا أَنْ تَبْقَى فِيهِ عَالَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ تُوَاتِيَهَا وَتُسَاعِدَهَا عَلَيْهِ، وَأَنْ تُلْزِمَهَا إِيَّاهُ إِذَا هِيَ قَصَّرَتْ فِيهِ.

وَإِنْ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ الْخِطَابُ لِمَجْمُوعِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الظَّاهِرِ وَفِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ وَضِعَافُ

<<  <  ج: ص:  >  >>