للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَثِيرَةٍ وَقَعَتْ كَمَا أَنْبَأَ بِهَا، وَلَا فِي بَيَانِهِ لِخَفَايَا الْحَاضِرِ، حَتَّى حَدِيثِ الْأَنْفُسِ وَمُخَبِّآتِ الضَّمَائِرِ، كَبَيَانِ مَا تُبَيِّتُ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُخَالِفًا لِمَا تَقُولُ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَا يَقُولُهُ لَهَا فَتَقْبَلُهُ فِي حَضْرَتِهِ.

وَلِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ وَاسْتِطَاعَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ فِي بَيَانِ أُصُولِ الْعَقَائِدِ، وَقَوَاعِدِ الشَّرَائِعِ، وَفَلْسَفَةِ الْآدَابِ وَالْأَخْلَاقِ، وَسِيَاسَةِ الشُّعُوبِ وَالْأَقْوَامِ، مَعَ اتِّفَاقِ جَمِيعِ الْأُصُولِ، وَعَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَالتَّفَاوُتِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْفُرُوعِ.

وَلِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ وَاسْتِطَاعَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ فُنُونِ الْقَوْلِ وَأَلْوَانِ الْعِبَرِ فِي أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فِي الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ ; وَفِيهَا الْكَلَامُ عَلَى الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَوَصْفِ الْكَائِنَاتِ بِأَنْوَاعِهَا، كَالْكَوَاكِبِ وَبُرُوجِهَا وَنِظَامِهَا، وَالرِّيَاحِ وَالْبِحَارِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ وَالْجَمَادِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ وَالْآيَاتِ، وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يُؤَيِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَعَانِيهِ.

وَلِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ وَاسْتِطَاعَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ فِي بَيَانِ سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ، وَنَوَامِيسِ الْعُمْرَانِ، وَطَبَائِعِ الْمِلَلِ وَالْأَقْوَامِ، وَإِيرَادِ الشَّوَاهِدِ وَضُرُوبِ الْأَمْثَالِ، وَتَكْرَارِ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ، بِالْعِبَارَاتِ الْبَلِيغَةِ الْمُتَشَابِهَةِ، تَنْوِيعًا لِلْعِبَرِ، وَتَلْوِينًا لِلْمَوْعِظَةِ، مَعَ تَجَاوُبِ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْحَقِّ، وَتَوَاطُئِهِ عَلَى الصِّدْقِ، وَبَرَاءَتِهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَاقُضِ، وَتَعَالِيهِ عَلَى التَّفَاوُتِ وَالتَّبَايُنِ.

وَفَوْقَ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ، وَالْخَبَرِ عَنِ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَمَا فِيهَا مِنَ الْحِسَابِ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَالْجَزَاءِ الْوِفَاقِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِفِطْرَةِ الْإِنْسَانِ، وَجَارِيًا عَلَى سُنَّةِ اللهِ - تَعَالَى - فِي تَأْثِيرِ الْأَعْمَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ فِي الْأَرْوَاحِ، فَالِاتِّفَاقُ وَالِالْتِئَامُ بَيْنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، هُوَ غَايَةُ الْغَايَاتِ عِنْدَ مَنْ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ.

كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ يَنْزِلُ مُنَجَّمًا بِحَسْبَ الْوَقَائِعِ وَالْأَحْوَالِ، فَيَأْمُرُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ أَوِ الطَّائِفَةِ مِنَ الْآيَاتِ أَنْ تُوضَعَ فِي مَحَلِّهَا مِنْ سُورَةِ كَذَا، وَهُوَ لَا يَقْرَأُ فِي الصُّحُفِ مَا كُتِبَ أَوَّلًا وَلَا مَا كُتِبَ آخِرًا، وَإِنَّمَا يَحْفَظُهُ حِفْظًا، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الَّذِي يَأْتِي مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ بِالْكَلَامِ الْكَثِيرِ فِي الْمُنَاسَبَاتِ وَالْوَقَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ يَتَذَكَّرُ عِنْدَ كُلِّ قَوْلٍ جَمِيعَ مَا سَبَقَ لَهُ فِي السِّنِينِ الْخَالِيَةِ وَيَسْتَحْضِرُهُ لِيَجْعَلَ الْآخَرَ مُوَافِقًا لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا تَذَكَّرْتَ أَنَّ بَعْضَ الْآيَاتِ كَانَ يَنْزِلُ فِي أَيَّامِ الْحَرْبِ وَشِدَّةِ الْكَرْبِ، وَبَعْضَهَا كَانَ يَنْزِلُ عِنْدَ الْخِصَامِ، وَتَنَازُعِ الْأَفْرَادِ أَوِ الْأَقْوَامِ، جَزَمْتَ بِأَنَّ مِنَ الْمُحَالِ عَادَةً أَنْ يَتَذَكَّرَ الْإِنْسَانُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ جَمِيعَ مَا كَانَ قَالَهُ مِنْ قَبْلُ لِيَأْتِيَ بِكَلَامٍ يَتَّفِقُ مَعَهُ وَلَا يَخْتَلِفُ، وَكَانَ إِذَا تَلَا عَلَيْهِمُ الْآيَاتِ يَحْفَظُونَهَا عَنْهُ فِي صُدُورِهِمْ وَيَكْتُبُونَهَا فِي صُحُفِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَجَالٌ لِلتَّنْقِيحِ وَالتَّحْرِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>