للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُؤْخَذُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - كَلَّفَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقَاتِلَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ قَاوَمُوا دَعْوَتَهُ بِقُوَّتِهِمْ وَبِأَسِهِمْ وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنَ الشَّجَاعَةِ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَسِيرَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَهُوَ قَدْ تَصَدَّى لِمُقَاوَمَةِ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِدَعْوَتِهِمْ إِلَى تَرْكِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ، وَاتِّبَاعِ النُّورِ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَلَمَّا قَاتَلُوهُ قَاتَلَهُمْ، وَقَدِ انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ مَرَّةً فَبَقِيَ ثَابِتًا كَالْجَبَلِ لَا يَتَزَلْزَلُ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: فَقَاتِلْ لِلتَّفْرِيعِ بِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَقِيلَ: إِنَّهَا جَوَابٌ لِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ: إِنْ أَرَدْتَ الْفَوْزَ فَقَاتِلْ، وَكَانَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ التَّقْدِيرَ وَإِذَا كُنْتَ مُبَلِّغًا عَنِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَا وَكِيلًا وَلَا جَبَّارًا عَلَى النَّاسِ فَقَاتِلْ، أَنْتَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ لَكَ، وَحَرِّضْ غَيْرَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ - تَعَالَى - بِذَلِكَ تَحْرِيضًا، لَا إِلْزَامَ سُلْطَةٍ وَلَا إِجْبَارَ قُوَّةٍ، وَالتَّحْرِيضُ الْحَثُّ عَلَى الشَّيْءِ بِتَزْيِينِهِ وَتَسْهِيلِ الْخَطْبِ فِيهِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ.

وَمَعْنَى: لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ لَا تُكَلَّفُ أَنْتَ إِلَّا أَفْعَالَ نَفْسِكَ دُونَ أَفْعَالِ النَّاسِ، فَلَا يَضُرُّكَ إِعْرَاضُ الَّذِينَ قَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ (٤: ٧٧) ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ لَكَ طَاعَةٌ وَيُبَيِّتُونَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنَّ طَاعَتَهُمْ لَكَ إِنَّمَا تَجِبُ لِأَنَّكَ مُبَلِّغٌ عَنِ اللهِ فَهِيَ طَاعَةُ اللهِ، وَمَنْ أَطَاعَ اللهَ لَا يَضُرُّهُ عِصْيَانُ مَنْ عَصَاهُ.

مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا اللهُ لَا إِلَهَ

إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثًا.

الشَّفَاعَةُ مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ مُقَابِلُ الْوَتْرِ أَيِ الْفَرْدِ، قَالَ الرَّاغِبُ: الشَّفْعُ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى مِثْلِهِ، وَالشَّفَاعَةُ الِانْضِمَامُ إِلَى آخَرَ، نَاصِرًا لَهُ وَسَائِلًا عَنْهُ، وَالَّذِي يُنَاسِبُ السِّيَاقَ وَاتِّصَالَ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا مِنَ الْآيَاتِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً مَنْ يَجْعَلْ نَفْسَهُ شَفْعًا لَكَ وَقَدْ أُمِرَتْ بِالْقِتَالِ وَتْرًا، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ لِأَنَّهَا نَصْرٌ لِلْحَقِّ وَتَأْيِيدٌ لَهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ يَنْضَمُّ إِلَى أَيِّ مُحْسِنٍ وَيُشَفِّعُهُ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، أَيْ مِنْ شَفَاعَتِهِ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>