للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِأَثَرِ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمُعَارِضٌ لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا وَجَدْنَا لَهُ مَخْرَجًا إِلَّا فَهْمَ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ حَتْمًا، وَأَنَّهُمْ عَلِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الدِّيَةِ اجْتِهَادِيٌّ وَمَدَارَهُ عَلَى التَّرَاضِي كَمَا أَشَرْنَا إِلَى ذَلِكَ فِي بَيَانِ ظَاهِرِ عِبَارَة الْآيَة.

وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ دِيَتَهُ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ إِنْ قُتِلَ عَمْدًا، وَإِلَّا فَنَصْفُ دِيَّتِهِ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْمُسَاوَاةِ بِظَاهِرِ إِطْلَاقِ الْآيَةِ فِي أَهْلِ الْمِيثَاقِ، وَهُمُ الْمُعَاهِدُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَنُوزِعُوا فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ، وَبِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ غَرِيبٌ: " إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَى الْعَامِرِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلُهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمَرِيُّ، وَكَانَ لَهُمَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَمْرٌو - بِدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ "، وَثَمَّ رِوَايَاتٌ أُخْرَى عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنَّ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ كَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَفِيِ زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَلَمَّا كَانَ مُعَاوِيَةُ أَعْطَى أَهْلَ الْمَقْتُولِ النِّصْفَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالنِّصْفِ وَأَلْغَى مَا كَانَ جَعَلَ مُعَاوِيَةُ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو سَعِيدٍ الْبَقَّالُ وَهُوَ سَعِيدٌ الْمَرْزُبَانُ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ، وَحَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلٌ وَمَرَاسِيلُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهَا ; لِأَنَّهُ - لِسِعَةِ حِفْظِهِ - لَا يُرْسِلُ إِلَّا لِعِلَّةٍ، عَلَى أَنَّ هَذَا فِي الْمُعَاهِدِ، وَحَقُّ الذِّمِّيِّ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الْمُعَاهِدِ لِخُضُوعِهِ لِأَحْكَامِنَا.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْقَوْلِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ مُخْتَلِفَةٌ مُتَعَارِضَةٌ، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ أَمْرَ الدِّيَةِ مَنُوطٌ بِالْعُرْفِ وَبِالتَّرَاضِي، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي الْعَمَلِ كَانَ لِأَجْلِ هَذَا.

هَذَا، وَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلَكِنْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ هُمُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَ الدِّيَةَ عَنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ إِبِلًا أَوْ نَقْدًا، وَهُمْ عُصْبَتُهُ وَعَشِيرَتُهُ الْأَقْرَبُونَ - وَتُسَمَّى الْعَاقِلَةُ - الْآنَ - الْعَائِلَةَ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ مِنْ تَحْرِيفِ الْعَامَّةِ - وَإِنَّمَا جَعَلَتِ السُّنَّةُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الْقَاتِلِ ; لِأَنَّ الْخَطَأَ قَدْ يَتَكَرَّرُ فَيَذْهَبُ بِمَالِ الرَّجُلِ كُلِّهِ وَلِأَجْلِ تَقْرِيرِ التَّضَامُنِ بَيْنَ الْأَقْرَبِينَ، وَإِذَا عَجَزَتِ الْعَاقِلَةُ مِنْ عُصْبَةِ النَّسَبِ ثُمَّ السَّبَبِ عَنْ دَفْعِهَا جُعِلَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَاللهُ أَعْلَمُ.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ، الرَّقَبَةَ الَّتِي يَعْتِقُهَا كَأَنِ انْقَطَعَ الرَّقِيقُ كَمَا هُوَ مَقْصِدُ الْإِسْلَامِ، - وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُشْعِرُ بِهَذَا الْمَقْصِدِ - أَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَالَ الَّذِي يَشْتَرِيهَا بِهِ مِنْ مَالِكِهَا لِيُحَرِّرَهَا مِنْ رِقِّهِ - وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى الْأَمْرَيْنِ مَعًا فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَيْ فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ قَمَرِيَّيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا يَفْصِلُ بَيْنَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَيَّامِهِمَا إِفْطَارٌ فِي النَّهَارِ، فَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ اسْتَأْنَفَ وَكَانَ مَا صَامَهُ قَبْلَهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يَفْرِضْ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الصِّيَامَ إِطْعَامُ مِسْكِينًا كَمَا فَرَضَهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقِيسُ هَذِهِ الْكَفَّارَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>