الْمَقْتُولِ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكَ مِنْ أَهْلِ فَدَكَ، وَاسْمُ الْقَاتِلِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَنَّ اسْمَ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ غَالِبُ بْنُ فَضَالَةَ اللِّيثِيُّ، وَأَنَّ قَوْمَ مِرْدَاسٍ لَمَّا انْهَزَمُوا بَقِيَ هُوَ وَحْدَهُ وَكَانَ أَلْجَأَ غَنَمَهُ بِجَبَلٍ فَلَمَّا لَحِقُوهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَلَمَّا رَجَعُوا نَزَلَتِ الْآيَةُ، وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ وَعَبْدٍ كَذَا - وَهُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ - مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ نَحْوَهُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مِرْدَاسٍ وَهُوَ شَاهِدٌ حَسَنٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ عَنْ جُزْءِ ابْنِ الْحَدْرَجَانِ قَالَ: وَفَدَ أَخِي قَدَادٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَقِيَتْهُ سَرِيَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمْ: أَنَا مُؤْمِنٌ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَقَتَلُوهُ فَبَلَغَنِي ذَلِكَ فَخَرَجَتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلْتُ. . . فَأَعْطَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةَ أَخِي، انْتَهَى مِنْ لُبَابِ النُّقُولِ.
وَحَدِيثُ جُزْءٍ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ الْوَقَائِعِ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ ; لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقَعَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ، وَقَدْ أَوْرَدَ الرِّوَايَاتِ ابْنُ جَرِيرٍ بِزِيَادَةِ تَفْصِيلٍ، وَالْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ مَعَهَا بَعْدَ وُقُوعِ تِلْكَ الْحَوَادِثِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى أَصْحَابِ كُلِّ وَقْعَةٍ فَيَرَوْنَ أَنَّهَا سَبَبُ نُزُولِهَا.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: بَيَّنَ اللهُ - تَعَالَى - فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمُنَافِقِينَ، وَمِنْهُ نَهْيُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا، وَمِنْهَا أَنَّ الَّذِينَ يُلْقُونَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ السَّلَمَ وَيَعْتَزِلُونَ قِتَالَهُمْ لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، فَنَهَى عَنْ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْخَطَأِ، وَبَعْدَ هَذَا أَرَادَ تَعَالَى أَنْ يُنَبِّهَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ ضُرُوبِ قَتْلِ الْخَطَأِ كَانَ يَحْصُلُ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ عِنْدَ السَّفَرِ إِلَى أَرْضِ الْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ قَدِ انْتَشَرَ وَلَمْ يَبْقَ مَكَانٌ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ وَقَبَائِلِهِمْ يَخْلُو مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِمَّنْ يَمِيلُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَتَرَبَّصُونَ الْفُرَصَ لِلِاتِّصَالِ بِأَهْلِهِ لِلدُّخُولِ فِيهِمْ، فَأَعْلَمَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، وَأَمْرَهُمْ أَلَّا يَحْسَبُوا
كُلَّ مَنْ يَجِدُونَهُ فِي دَارِ الْكُفْرِ كَافِرًا، وَأَنْ يَتَبَيَّنُوا فِيمَنْ تَظْهَرُ مِنْهُمْ عَلَامَاتُ الْإِسْلَامِ كَالشَّهَادَةِ أَوِ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ تَحِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَامَةُ الْأَمْنِ وَالِاسْتِئْمَانِ، وَأَلَّا يَحْمِلُوا مِثْلَ هَذَا عَلَى الْمُخَادَعَةِ إِذْ رُبَّمَا يَكُونُ الْإِيمَانُ قَدْ طَافَ عَلَى هَذِهِ الْقُلُوبِ وَأَلَمَّ بِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَكَّنَ فِيهَا، وَقَدْ أَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْ قَتْلِ مَنْ أَلْقَى السَّلَامَ لِشُبْهَةِ التَّقِيَّةِ قَدْ مَضَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَتْلِ الْخَطَأِ، وَأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - أَرَادَ بِإِنْزَالِهَا أَنْ يُعَدَّ مَا يَقَعُ مِنْهُ بَعْدَ نُزُولِهَا مِنْ قَتْلِ الْعَمْدِ ; لِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهَا بِالتَّثَبُّتِ وَنَهَى عَنِ إِنْكَارِ إِسْلَامِ مَنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ وَلَوْ بِإِلْقَاءِ تَحِيَّتِهٍ فَكَيْفَ بِمَنْ يَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقَوِّيَ الشُّبْهَةَ فِي نَفْسِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ إِظْهَارَ الْإِسْلَامِ لِأَجْلِ التَّقِيَّةِ وَهُوَ ابْتِغَاءُ عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَهَدَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute