وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، الْكِتَابُ: الْقُرْآنُ وَالْحِكْمَةُ فِقْهُ مَقَاصِدِ الْكُتَّابِ وَأَسْرَارِهِ، وَوَجْهِ مُوَافَقَتِهَا لِلْفِطْرَةِ وَانْطِبَاقِهَا عَلَى سُنَنِ الِاجْتِمَاعِ الْبَشَرِيِّ وَاتِّحَادِهَا مَعَ مَصَالِحِ النَّاسِ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، هُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ (٤٢: ٥٢) ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَعْلِيمُهُ الْغَيْبَ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ الْكِتَابُ وَالشَّرِيعَةُ، وَخُصُوصًا مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَاتُ مِنَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي تَخَاصَمَ فِيهَا بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْيَهُودِيِّ.
وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا، إِذِ اخْتَصَّكَ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ وَأَرْسَلَكَ لِلنَّاسِ كَافَّةً، وَجَعَلَكَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَعْظَمَ النَّاسِ شُكْرًا لَهُ، وَيَجِبُ عَلَى أُمَّتِكَ مِثْلُ ذَلِكَ لِيَكُونُوا بِهَذَا الْفَضْلِ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَقُدْوَةً لَهُمْ فِي جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ.
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا أَقُولُ: تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّ طُعْمَةَ الْخَائِنَ لَمْ يَكَدْ يَفْتَضِحُ أَمْرُهُ حَتَّى فَرَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَأَظْهَرَ الشِّرْكَ وَالطَّعْنَ فِي النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ لِيَتَّخِذَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُؤْمِنِينَ أَعْوَانًا وَنُصَرَاءَ يُعِينُونَهُ عَلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْخِيَانَةِ بِالْعَصَبِيَّةِ عَلَى الْمُخَالِفِينَ، وَمَا عَلِمَ أَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ جَاءَ لِيُبْطِلَ الْخِيَانَةَ وَالضَّلَالَ، وَيَمْحَقَ الْأَبَاطِيلَ، وَيُؤَيِّدَ الْحَقَّ وَالْفَضِيلَةَ، أَفَلَا يَسْمَعُ هَذَا الْمُبْطِلُونَ مِنْ أَهْلِ أُورُبَّةَ الَّذِينَ لَا يَزَالُونَ يُقَلِّدُونَ قُسُوسَ قُرُونِهِمُ الْمُظْلِمَةِ مُثِيرِي الْحُرُوبِ الصَّلِيبِيَّةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ جَمْعِيَّةَ لُصُوصٍ وَقُطَّاعَ طُرُقٍ، أَلَا يَدُلُّونَنَا عَلَى حُكُومَةٍ مِنْ أَرْقَى حُكُومَاتِهِمْ أَوْصَلَهَا دِينُهَا وَمَدَنِيَّتُهَا وَعُلُومُهَا وَحَضَارَتُهَا إِلَى الرِّضَا بِمُسَاوَاةِ أَبْنَائِهَا وَأَوْلِيَائِهَا بِأَعْدَى أَعْدَائِهَا وَيُشَدِّدُونَ فِي ذَلِكَ مِثْلَمَا شَدَّدَتِ الْآيَاتُ الَّتِي تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي قَضِيَّةِ طُعْمَةَ مَعَ الْيَهُودِيِّ؟ كَيْفَ وَنَحْنُ نَرَاهُمْ فِي بِلَادِنَا لَا يَرْضَوْنَ بِالْمُسَاوَاةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَأَنَّ الرَّجُلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute