للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي حَقِيقَةِ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ وَمَاهِيَّتِهِ، أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ الذَّوَّاقُونَ! أَلَا فَلْيَتَّقِ اللهَ الْمُتْرَفُونَ! أَلَا فَلْيَتَفَكَّرُوا فِي مِيثَاقِ الزَّوْجِيَّةِ الْغَلِيظِ! وَفِي حُقُوقِهَا الْمُؤَكَّدَةِ! أَلَا فَلْيَتَفَكَّرُوا فِي عَاقِبَةِ نَسْلِهِمْ وَمُسْتَقْبَلِ ذُرِّيَّتِهِمْ! أَلَا فَلْيَتَفَكَّرُوا فِي حَالِ أُمَّتِهِمُ الَّتِي تَتَأَلَّفُ مِنْ هَذِهِ الْبُيُوتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى دَعَائِمِ الشَّهَوَاتِ وَالْأَهْوَاءِ وَفَسَادِ الْأَخْلَاقِ، وَالذُّرِّيَّةِ الَّتِي تَنْشَأُ بَيْنَ أُمَّهَاتٍ مُتَعَادِيَاتٍ وَزَوْجٍ شَهْوَانِيٍّ ظَالِمٍ! أَلَا فَلْيَتَفَكَّرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا، وَلْيُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ لِيَعْلَمُوا هَلْ هُمْ مِنَ الْمُصْلِحِينَ لِأَمْرِ نِسَائِهِمْ وَنِظَامِ بُيُوتِهِمْ أَمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَهَلْ هُمْ مِنَ الْمُتَّقِينَ اللهَ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَمْ مِنَ الْمُتَسَاهِلِينَ أَوِ الْفَاسِقِينَ؟

وَإِنْ يَتَفَرَّقَا أَيْ: وَإِنْ يَتَفَرَّقِ الزَّوْجَانِ اللَّذَانِ يَخَافَا كِلَاهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ، كَالَّذِي يَكْرَهُ امْرَأَتَهُ لِدَمَامَتِهَا أَوْ كِبَرِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا وَلَمْ يَتَصَالَحْ مَعَهَا عَلَى شَيْءٍ يَرْضَيَانِ بِهِ، وَكَالَّذِي عِنْدَهُ زَوْجَانِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا وَلَا تَسْمَحُ لَهُ الْمَرْغُوبُ عَنْهَا بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا بِمُقَابِلٍ وَلَا غَيْرِ مُقَابِلٍ، إِنْ يَتَفَرَّقَ هَذَانَ - عَلَى تَرْجِيحِ الطَّلَاقِ عَلَى دَوَامِ الزَّوْجِيَّةِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِسْنَادُ

الْفِعْلِ إِلَيْهِمَا، وَعَدَمِ حِرْصِ أَحَدٍ مِنْهُمَا عَلَى اسْتِرْضَاءِ الْآخَرِ وَصُلْحِهِ - يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سِعَتِهِ، يُغْنِي اللهُ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ بِسِعَةِ فَضْلِهِ، فَقَدْ يُسَخِّرُ لِلْمَرْأَةِ رَجُلًا خَيْرًا مِنْهُ يَقُومُ لَهَا بِحُقُوقِهَا، وَيَجْعَلُ لَهُ مِنَ امْرَأَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُ أَوْ يَتَزَوَّجُهَا مَنْ تُحْصِنُهُ وَتُرْضِيهِ فَيَسْتَقِيمُ أَمْرُ بَيْتِهِ وَتَرْبِيَةُ أَوْلَادِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا جَدِيرًا بِإِغْنَاءِ اللهِ إِيَّاهُ عَنِ الْآخَرِ بِزَوْجٍ خَيْرٍ مِنْهُ، إِذَا الْتَزَمَا فِي التَّفَرُّقِ حُدُودَ اللهِ بِأَنْ يَجْتَهِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الِاتِّفَاقِ وَالصُّلْحِ، حَتَّى إِذَا ظَهَرَ لَهُمَا بَعْدَ إِجَالَةِ الرَّأْيِ فِيهِ وَالتَّرَوِّي فِي أَسْبَابِهِ وَوَسَائِلِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ لَهُمَا، تَفَرَّقَا بِإِحْسَانٍ يَحْفَظُ كَرَامَتَهُمَا وَلَا يَكُونَانِ بِهِ مُضْغَةً فِي أَفْوَاهِ النَّاسِ، وَقُدْوَةً سَيِّئَةً لِفَاسِدِي الْأَخْلَاقِ وَكَانَ اللهُ وَاسِعًا حَكِيمًا، أَيْ كَانَ وَلَا يَزَالُ وَاسِعَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ يُوَفِّقُ بَيْنَ أَقْدَارٍ، وَيُؤَلِّفُ بَيْنَ الْمُسَبِّبَاتِ وَالْأَسْبَابِ، حَكِيمًا فِيمَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، جَاعِلًا لَهَا عَلَى وَفْقِ مَصَالِحِ النَّاسِ.

وَقَدْ يَكُونُ مِنْ أَسْبَابِ الرَّغْبَةِ فِي كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ الْمُتَفَرِّقَيْنِ مَا يَرَاهُ النَّاسُ مِنْ حُسْنِ تَعَامُلِهِمَا فِي تَفَرُّقِهِمَا، وَالْتِزَامِهِمَا فِيهِ حِفْظَ كَرَامَتِهِمَا، وَإِنَّمَا قُلْتُ: " قَدْ يَكُونُ " لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُرَغِّبًا لِدَهْمَاءِ النَّاسِ وَتُحُوتِهِمْ، فَهُوَ أَكْبَرُ الْمُرَغِّبَاتِ لِكِرَامِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ، وَإِنَّمَا الْخَيْرُ فِيهِمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ الْفَاضِلَ الْكَرِيمَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ امْرَأَةً اخْتَلَفَتْ مَعَ بَعْلِهَا لِأَنَّ نَفْسَهَا الشَّرِيفَةَ لَمْ تَقْبَلْ أَنْ يَنْشُزَ أَوْ يُعْرِضَ عَنْهَا، أَوْ يَقْرِنَ بِهَا مَنْ لَا يَعْدِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ تَخْدِشْ كَرَامَتَهُ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ، وَإِنَّمَا أَحَبَّتْ أَنْ تَتَّفِقَ مَعَهُ عَلَى طَرِيقَةٍ عَادِلَةٍ فَلَمْ يُمْكِنْ، فَتَفَرَّقَا بِأَدَبٍ وَإِحْسَانٍ حُفِظَ بِهِ شَرَفُهُمَا، وَحَسُنَ بِهِ ذِكْرُهُمَا، وَعُلِمَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>