للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَقْوَاهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ

لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ، لَا يَنْقُصُ كُفْرُكُمْ مِنْ مُلْكِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا ضَرَرُهُ عَلَيْكُمْ، كَمَا أَنَّ مَنْفَعَةَ الشُّكْرِ خَاصَّةٌ بِكُمْ وَكَانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيدًا، غَنِيًّا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ بِذَاتِهِ لِذَاتِهِ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَهُ وَمِنْهُ، مَحْمُودًا بِذَاتِهِ لِذَاتِهِ وَكَمَالِ صِفَاتِهِ، مَحْمُودًا عَلَى جَمِيعِ أَفْعَالِهِ ; لِأَنَّهُ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شُكْرِكُمْ لِتَكْمِيلِ نَفْسِهِ، وَلَا إِلَى حَمْدِكُمْ لِتَحْقِيقِ حَمْدِهِ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ (١٧: ٤٤) ، وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي! لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ آخِرُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ اكْتَفَيْنَا مِنْهُ بِمَحَلِّ الشَّاهِدِ فِي مَوْضُوعِنَا.

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا، أَعَادَ تَذْكِيرَهُمْ بِكَوْنِهِ مَالِكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، أَيِ الْعَوَالِمُ كُلُّهَا لِيَتَمَثَّلُوا عَظَمَتَهُ، وَيَسْتَحْضِرُوا الدَّلِيلَ عَلَى غِنَاهُ وَحَمْدِهِ فَيَعْلَمُوا أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَدْ تَوَكَّلَ بِإِغْنَاءِ كُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا أَقَامَا حُدُودَهُ فِي تَفَرُّقِهِمَا فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِنْجَازِ كُلِّ مَا وَعَدَ وَأَوْعَدَ بِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكْتَفُوا بِهِ فِي التَّوَكُّلِ لَهُمْ، وَيُسْتَعْمَلُ الْوَكِيلُ بِمَعْنَى الْمُهَيْمِنِ وَالْمُسَيْطِرِ وَالرَّقِيبِ.

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، إِذَا عَلِمْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، فَاعْلَمُوا أَنَّهُ إِنْ يَشَأْ أَنْ يُذْهِبَكُمْ بِعَذَابٍ يُنْزِلُهُ بِكُمْ، أَوْ أُمَّةٍ قَوِيَّةٍ يُسَلِّطُهَا عَلَيْكُمْ فَتَسْلُبُ اسْتِقْلَالَكُمْ حَتَّى تَجْعَلَكُمْ عَبِيدًا أَوْ كَالْعَبِيدِ لَهَا، لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَقُومُوا بِمَصَالِحِكُمْ وَمَنَافِعِكُمُ الَّتِي بِهَا وِحْدَتُكُمْ، فَإِنَّهُ يُذْهِبُكُمْ وَيَأْتِ

بِآخَرِينَ، يَحُلُّونَ مَحَلَّهُمْ فِي الْوُجُودِ أَوِ الْحُكْمِ وَالتَّصَرُّفِ، وَقَالَ فِي سُورَةٍ أُخْرَى إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٤: ١٩، ٢٠) ، وَفِي سُورَةٍ أُخْرَى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (٤٧: ٣٨) ، قِيلَ: إِنَّ الْآيَةَ مِنْ قَبِيلِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي تَهْدِيدِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَاوِمُونَ دَعْوَتَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَنْبِيهٌ لِلنَّاسِ وَتَوْجِيهٌ لِأَفْكَارِهِمْ إِلَى التَّأَمُّلِ فِي سُنَنِهِ تَعَالَى بِحَيَاةِ الْأُمَمِ وَمَوْتِهَا، وَكَوْنِ هَذِهِ السُّنَنِ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِهَا الْمَشِيئَةُ لَا مَرَدَّ لَهَا وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا ; لِأَنَّ بِيَدِهِ مَلَكُوتَ كُلِّ شَيْءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>