للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّأْيِيدِ السَّمَاوِيِّ

وَخَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَقَدِ ادَّعَى هَذِهِ الدَّعْوَةَ أَيْضًا أُنَاسٌ مِنَ الضُّعَفَاءِ أَصَابَهُمْ هَوَسُ الْوِلَايَةِ وَالْأَسْرَارِ الرُّوحِيَّةِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْثِيرٌ يُذْكَرُ.

كَانَتْ آخِرُ فِتْنَةٍ دَمَوِيَّةٍ مِنْ فِتَنِ هَذِهِ الدَّعْوَى فِتْنَةُ مَهْدِيِّ السُّودَانِ، وَكَانَتْ قَبْلَهَا فِتْنَةُ (الْبَابِ) الَّذِي ظَهَرَ فِي بِلَادِ إِيرَانَ، وَأَمْرُهُ مَشْهُورٌ. وَقَدْ بَنَى بَعْضُ أَتْبَاعِهِ عَلَى أَسَاسِ دَعْوَتِهِ بِنَاءً مِنْ أَنْقَاضِ تِلْكَ الدَّعْوَى، وَلَكِنَّهُ جَاءَ أَكْبَرَ مِنْهَا، ذَلِكَ الْمُدَّعِي هُوَ مِيرْزَا حُسَيْنٌ الْمُلَقَّبُ بِبَهَاءِ اللهِ، ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَبَثَّ دُعَاتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهِمَا، وَمِمَّا يَدْعُونَ بِهِ النَّصَارَى إِلَى دِينِهِمْ قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْبَهَاءَ هُوَ الْمَسِيحُ الْمَوْعُودُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِتْنَتَهُمْ فِي (الْمَنَارِ) وَرَدَدْنَا عَلَيْهِمْ مِرَارًا، وَظَهَرَ فِي الْهِنْدِ رَجُلٌ آخَرُ سِلْمِيٌّ (بِالطَّبْعِ) ادَّعَى أَنَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَهُوَ (غُلَامٌ أَحْمَدُ الْقَادَيَانِيُّ) الَّذِي نَقَلْنَا عَنْ بَعْضِ كُتُبِهِ نَبَأَ الْتِجَاءِ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ إِلَى الْهِنْدِ، وَهُوَ إِنَّمَا عُنِيَ بِبَيَانِ ذَلِكَ لِيَجْعَلَهُ مِنْ مُقَدَّمَاتِ إِثْبَاتِ دَعْوَتِهِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ أَرْسَلَ إِلَيَّ الْكِتَابَ الَّذِي نَقَلْتُ عَنْهُ مَا ذُكِرَ، وَغَيْرَهُ مِنْ كُتُبِهِ الَّتِي يَدْعُو بِهَا إِلَى نَفْسِهِ، فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ فِي (الْمَنَارِ) فَهَجَانِي فِي كِتَابٍ آخَرَ، وَتَوَعَّدَنِي بِقَوْلِهِ عَنِّي: " سَيُهْزَمُ فَلَا يُرَى " وَزَعَمَ أَنَّ هَذَا نَبَأُ وَحْيٍ جَاءَهُ مِنَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا. وَقَدْ كَانَ هُوَ الَّذِي انْهَزَمَ وَمَاتَ.

كَانَ هَذَا الرَّجُلُ يَسْتَدِلُّ بِمَوْتِ الْمَسِيحِ وَرَفْعِ رُوحِهِ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا رُفِعَتْ أَرْوَاحُ الْأَنْبِيَاءِ، عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَسِيحُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَلَا يَزَالُ أَتْبَاعُهُ يَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ. وَقَدْ جَرَى عَلَى طَرِيقَةِ أَدْعِيَاءِ الْمَهْدَوِيَّةِ مِنْ شِيعَةِ إِيرَانَ (كَالْبَابِ وَالْبَهَاءِ) فِي اسْتِنْبَاطِ الدَّلَائِلِ الْوَهْمِيَّةِ عَلَى دَعْوَتِهِ مِنَ الْقُرْآنِ حَتَّى إِنَّهُ اسْتَخْرَجَ ذَلِكَ مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَلَهُ فِي تَفْسِيرِهَا كِتَابٌ فِي غَايَةِ السَّخَفِ يَدَّعِي أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ لَهُ، فَجَعَلَهَا مُبَشِّرَةً بِظُهُورِهِ، وَبِأَنَّهُ هُوَ مَسِيحُ هَذِهِ الْأُمَّةِ.

وَإِنَّمَا فَتَحَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ هَذَا الْبَابَ الْغَرِيبَ مِنْ أَبْوَابِ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ وَتَحْرِيفِ أَلْفَاظِهِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي وُضِعَتْ لَهَا إِلَى مَعَانٍ غَرِيبَةٍ لَا تُشْبِهُهَا وَلَا تُنَاسِبُهَا - أُولَئِكَ الزَّنَادِقَةُ مِنَ الْمَجُوسِ وَأَعْوَانِهِمُ الَّذِينَ وَضَعُوا تَعَالِيمَ فِرَقِ الْبَاطِنِيَّةِ، فَرَاجَتْ حَتَّى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الصُّوفِيَّةِ، وَلِمَنْ يَسْتَدِلُّ بِالْكَلِمِ عَلَى مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي اسْتِعْمَالِ لُغَتِهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمَا شَاءَ عَلَى مَا شَاءَ، وَهُوَ يَجِدُ مِنْ جَاهِلِي اللُّغَةِ وَفَاقِدِي الِاسْتِقْلَالِ الْعَقْلِيِّ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُ كُلَّ دَعْوَى.

وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ نَصٌّ يُثْبِتُ أَنَّ عِيسَى يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَيَحْكُمُ فِي الْأَرْضِ، وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ فَهِيَ تُخَالِفُ دَعْوَى الْقَادْيَانِيِّ، فَإِنَّ مِنْهَا أَنَّهُ يَنْزِلُ فِي دِمَشْقَ لَا فِي الْهِنْدِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ الَّذِي يَظْهَرُ قَبْلَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ يَحْكُمُ وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَلَا يَزَالُ الظُّلْمُ وَالْجَوْرُ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ مَالِئًا الْأَرْضَ، وَنَاهِيكَ بِمَا هُوَ جَارٍ، مِنْهَا، فِي بِلَادِ الْبَلْقَانِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، فَإِنَّ دُوَلَ الْبَلْقَانِ النَّصْرَانِيَّةَ مَا ظَهَرُوا عَلَى الْعُثْمَانِيِّينَ فِي مَكَانٍ إِلَّا وَأَسْرَفُوا فِي قَتْلِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَالنِّسَاءِ وَالْأَطْفَالِ، وَنَسْفِ دِيَارِهِمْ بِالدِّينَامِيتِ، أَوْ إِحْرَاقِهِمْ بِالنَّارِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>