للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فُنُونِهِ، هُوَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْخَصَائِصِ وَالْمَزَايَا الْبَارِزَةِ فِي أَعْلَى حَالِ الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ، مُثْبِتٌ لِشَهَادَةِ اللهِ - تَعَالَى - بِهِ وَبِأَنَّهُ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِهِ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْخَصَائِصَ وَالْمَزَايَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهَا أَفْرَادُ الْعُلَمَاءِ الْوَاسِعِي الِاطِّلَاعِ، فَضْلًا عَنْ أُمِّيٍّ نَشَأَ بَيْنَ الْأُمِّيِّينَ، وَوَصَلَ إِلَى سِنِّ الْكُهُولَةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا مِمَّا دُونَهُ مِنْ مَظَاهِرِ فَصَاحَةِ قَوْمِهِ ; كَالشِّعْرِ وَالْخَطَابَةِ وَالْمُفَاخَرَةِ، فَإِذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ وَفُحُولِ الْبَلَاغَةِ الْمُقَرَّمِينَ تَعَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، فَكَأَنَّهُ - تَعَالَى - يَقُولُ لِنَبِيِّهِ: مَاذَا يَضُرُّكَ جُحُودُ الْيَهُودِ وَعَدَمُ شَهَادَتِهِمْ لَكَ، وَاللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَهُ إِلَيْكَ، وَأَنْتَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ، وَقَدْ أَيَّدَ شَهَادَتَهُ لَكَ بِعِلْمِهِ الَّذِي أَوْدَعَهُ هَذَا الْقُرْآنَ، فَكَانَ بِذَلِكَ مُثْبِتًا لِحَقِيَةِ نَفْسِهِ وَكَوْنِهِ أُنْزِلَ عَلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، بِأَقْوَى مِنْ إِثْبَاتِ الدَّعَاوَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالشَّهَادَاتِ الَّتِي تَحْتَمِلُ النَّقْضَ، وَيُؤَيِّدُهَا كَذَلِكَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ بِتَصْدِيقِ مَا أَنْزَلَهُ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعْدِ لَكَ بِالْفَلَاحِ وَالنَّصْرِ، وَوَعِيدِ مَنْ عَادَوْكَ بِالْخِذْلَانِ وَالْخُسْرِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ أَيْضًا بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ إِلَيْكَ هُوَ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْهُمْ، أَنْتَ تَرَاهُ وَتَتَلَقَّى عَنْهُ لَا رَيْبَ عِنْدَكَ فِي ذَلِكَ، وَاللهُ يُؤَيِّدُكَ بِجُنْدٍ مِنْهُمْ يَنْفُخُونَ رُوحَ التَّثْبِيتِ وَالسَّكِينَةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ; لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (٨: ١٢) وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ كَانَ، وَثَبَتَتْ بِهِ شَهَادَةُ مَلَائِكَةِ اللهِ عِنْدَ نَبِيِّهِ وَعِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ بِإِخْبَارِ اللهِ، وَبِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مَنْ صِدْقِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا فَشَهَادَتُهُ أَصْدَقُ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ

(٦: ١٩) .

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>