للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلْنَاهُ إِلَى مَعْنَى الْمُعَزِّي الَّذِي قَالُوهُ، إِلَّا إِلَى لَيِّ اللِّسَانِ بِهَا لَيًّا قَلِيلًا، وَقَدْ تُرْجِمَتْ فِي إِنْجِيلِ بِرْنَابَا (بِمُحَمَّدٍ) فَكَانَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَوْضِعَ الِاسْتِغْرَابِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ظَانِّينَ أَنَّ بِرْنَابَا نَقَلَ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ نَطَقَ بِكَلِمَةِ مُحَمَّدٍ الْعَرَبِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ نَطَقَ بِتَرْجَمَتِهَا، وَمِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ تَرْجَمَةُ الْأَعْلَامِ وَالْأَلْقَابِ، عَلَى أَنَّ " رُوحَ الْحَقِّ " مِنْ جُمْلَةِ أَسْمَاءِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا تَرَى فِي أَسْمَائِهِ الْمَسْرُودَةِ فِي دَلَائِلَ الْخَيْرَاتِ. وَقَدْ بَيَّنَ يُوحَنَّا فِي الْفَصْلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِهِ تَفْصِيلًا عَنِ الْمَسِيحِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِبِشَارَتِهِ بِالْبَارَقْلِيطِ، مِنْهُ أَنَّهُ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يَذْهَبَ هُوَ مِنَ الدُّنْيَا ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ لَا يَأْتِي الْبَارَقْلِيطُ، وَأَنَّهُ مَتَى

جَاءَ يُبَكِّتُ الْعَالِمَ عَلَى الْخَطِيئَةِ وَعَلَى الْبِرِّ وَالْحِسَابِ (الدَّيْنُونَةِ) وَفَسَّرَ الْخَطِيئَةَ بِعَدِمِ الْإِيمَانِ بِهِ، أَيِ الْمَسِيحُ، وَمِنْهُ أَنَّهُ هُوَ - أَيِ الْمَسِيحُ - لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ كُلَّ شَيْءٍ ; لِعَدَمِ اسْتِعْدَادِهِمْ وَعَدَمِ طَاقَتِهِمُ الِاحْتِمَالَ، قَالَ: وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ (١٤) ذَاكَ يُمَجِّدُنِي ; لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. وَلَمْ يَجِئْ بَعْدَ الْمَسِيحِ أَحَدٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَبَّخَ النَّاسَ وَبَكَّتَهُمْ عَلَى عَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ وَعَلَى طَعْنِ بَعْضِهِمْ فِيهِ وَفِي أُمِّهِ، وَعَلَى غُلُوِّ طَائِفَةٍ فِيهِمَا وَجَعْلِهِمَا إِلَهَيْنِ مَعَ اللهِ، وَعَلَّمَ النَّاسَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَامِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ، وَأَخْبَرَ بِالْأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلِيَّةِ - لَمْ يَجِئْ أَحَدٌ بِكُلِّ هَذَا إِلَّا رُوحُ الْحَقِّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْبَثِقٌ مِنَ اللهِ أَيْ مُرْسَلٌ مِنْهُ لِإِحْيَاءِ النَّاسِ، كَمَا يُرْسِلُ اللهُ الْغَيْثَ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ شَبَّهَ بَعْثَتَهُ بِالْغَيْثِ الَّذِي تَأْخُذُ مِنْهُ كُلُّ أَرْضٍ بِحَسْبَ اسْتِعْدَادِهَا. فَإِذَا كَانَتْ عِبَارَةُ يُوحَنَّا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ رُوحَ الْحَقِّ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ الْمَسِيحُ، وَأَنَّهُ يَأْتِي بَعْدَهُ تَدُلُّ بِلَفْظِ الِانْبِثَاقِ عَلَى مَا قَالُوا، فَلْيَجْعَلُوا مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْأُقْنُومُ الثَّالِثُ أَوْ أُقْنُومًا رَابِعًا، وَيَنْتَقِلُوا مِنَ التَّثْلِيثِ إِلَى التَّرْبِيعِ، لَا، لَا أَقُولُ لَهُمْ أَصِرُّوا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَالتَّضْلِيلِ، بَلْ أَقُولُ لَهُمْ مَا قَالَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِلَى قَوْلِهِ، تَعَالَى:

فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ إِلَخْ ; أَيْ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَهُوَ الْمَعْقُولُ الَّذِي لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ النُّقُولُ، فَآمِنُوا بِاللهِ إِيمَانًا يَلِيقُ بِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ، فَرْدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، تَنَزَّهَ عَنْ صِفَاتِ الْحَوَادِثِ، وَنِسْبَتِهَا إِلَيْهِ. وَاحِدَةً، وَهِيَ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ وَهُوَ الْخَالِقُ، وَمَمْلُوكَةٌ وَهُوَ الْمَالِكُ، وَأَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ فِي مَجْمُوعِ مُلْكِهِ أَقَلُّ مِنْ حَبَّةِ رَمْلٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَابِسِ مِنْهَا، وَمِنْ نُقْطَةِ مَاءٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بِحَارِهَا وَأَنْهَارِهَا، فَمِنَ الْجَهْلِ الْفَاضِحِ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ نِدٌّ وَكُفْءٌ فِيهَا، أَوْ يُقَالَ: إِنَّهُ حَلَّ أَوِ اتَّحَدَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَآمِنُوا بِرُسُلِهِ كُلِّهِمْ، كَمَا يَلِيقُ بِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لَهُ خَصَّهُمْ بِضَرْبٍ مِنَ الْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ " الْوَحْيِ " لِيُعَلِّمُوا النَّاسَ كَيْفَ يُوَحِّدُونَ رَبَّهُمْ وَيَعْبُدُونَهُ وَيَشْكُرُونَهُ، وَكَيْفَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، وَيُصْلِحُونَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>