السَّعْيِ لِخَيْرِ النَّاسِ، وَبَذْلِ فَضْلِهِمْ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَمَالٍ لَهُمْ، فَيَكُونُونَ أَئِمَّةً لِلنَّاسِ بِرَحْمَتِهِمْ وَفَضْلِهِمْ.
وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا أَيْ: وَيَهْدِيهِمْ - تَعَالَى - هِدَايَةً خَاصَّةً مُوَصِّلَةً إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا أَيْ طَرِيقًا قَوِيمًا قَرِيبًا يَبْلُغُونَ بِهِ الْغَايَةَ مِنَ الْعَمَلِ بِالْقُرْآنِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَبِالسِّيَادَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْكَمَالِ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَبِالْجَنَّةِ وَالرِّضْوَانِ، فَهَذَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، لَا يُهْتَدَى إِلَيْهِ إِلَّا بِالِاعْتِصَامِ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، فَيَا خَسَارَةَ الْمُعْرِضِينَ، وَيَا طُوبَى لِلْمُعْتَصِمِينَ، وَقَدْ صَدَقَ وَعْدُ اللهِ لِلصَّادِقِينَ، فَفَازَ مَنِ اعْتَصَمَ مِنَ
الْأَوَّلِينَ، وَخَابَ وَخَسِرَ مَنْ أَعْرَضَ مِنَ الْآخِرِينَ، فَعَسَى أَنْ يَعْتَبِرَ بِذَلِكَ الْمُنْتَمُونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ إِلَى هَذَا الدِّينِ.
وَقَدْ سَكَتَ عَنِ الْقِسْمِ الْآخَرِ الْمُقَابِلِ لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُعْتَصِمِينَ؛ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنَ الْمُقَابَلَةِ وَلِلْإِيذَانِ وَتَأَلُّقِ نُورِ الْبَيَانِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُوجَدَ، وَإِنْ وُجِدَ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ.
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ، وَغَيْرُهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَبَّ عَلَيَّ، فَعَقَلْتُ فَقُلْتُ: إِنَّهُ لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلَالَةً فَكَيْفَ الْمِيرَاثُ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ. هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عِنْدَ ذِكْرِ الْآيَةِ.
وَهِيَ الْمُرَادُ مِنْ آيَةِ الْفَرَائِضِ هُنَا لِلتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى عِنْدَ كَثِيرِينَ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ وَالنِّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: اشْتَكَيْتُ فَدَخَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أُوصِي لِأَخَوَاتِي بِالثُّلُثِ؟ قَالَ: " أَحْسِنْ " قُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ قَالَ: " أَحْسِنْ " ثُمَّ خَرَجَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ، فَقَالَ: " إِنِّي لَا أَرَاكَ تَمُوتُ فِي وَجَعِكَ هَذَا، إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ وَبَيَّنَ مَا لِأَخَوَاتِكَ وَهُوَ الثُّلْثَانِ " فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيَّ: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ.
وَأَخْرَجَ الْعَدَنِيُّ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا، وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْفَرَائِضِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُذَيْفَةَ: نَزَلَتْ آيَةُ الْكَلَالَةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute