يَوْمًا. وَرِوَايَةُ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ هِيَ أَوْهَى الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَلَا يُعْتَدُّ بِهَا، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: " أَنَّهَا آخِرُ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، قَالَ: وَعَاشَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، تِسْعَ لَيَالٍ، وَمَاتَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ) وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَحْثٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ. وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْقَطْعِ بِآخِرِ آيَةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا نَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ آخَرَ مَا نَزَلَ قَطْعًا، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ آخِرَهَا كُلِّهَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
(خُلَاصَةُ السُّورَةِ)
افْتُتِحَتِ السُّورَةُ بِالْأَمْرِ بِالتَّقْوَى، وَذِكْرِ بَدْءِ خَلْقِ النَّاسِ وَتَنَاسُلِهِمْ، ثُمَّ بِالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبُيُوتِ: الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ، وَحُقُوقِ الْيَتَامَى وَالنِّسَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ، وَمِنْهَا فَرَائِضُ الْمَوَارِيثِ، وَإِرْثُ النِّسَاءِ وَعَضْلُهُنَّ، وَعِقَابِ مَنْ يَأْتِي الْفَاحِشَةَ مِنَ الْجِنْسَيْنِ، وَمُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ وَمُحَلَّلَاتِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَزْوَاجِ وَحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، فَهَذَا نَسَقٌ وَاحِدٌ فِي خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ آيَةً، تَتَخَلَّلُهَا عَلَى سُنَّةِ الْقُرْآنِ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى، وَالتَّرْغِيبُ فِي الطَّاعَةِ وَالْوَعْدُ عَلَيْهَا، وَالْوَعِيدُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِظِ الَّتِي تُغَذِّي الْإِيمَانَ بِاللهِ وَتُزَكِّي النَّفْسَ.
يَلِي ذَلِكَ مُحَاجَّةُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ، مُمَهَّدًا لَهَا بِالْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ وَالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ، وَالْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجِيرَانِ، وَتَشْنِيعِ الْبُخْلِ وَكِتْمَانِ نِعَمِ اللهِ، وَوَعِيدِ الْكُفْرِ وَعِصْيَانِ الرَّسُولِ. وَذَلِكَ فِي بِضْعِ آيَاتٍ لَيْسَ فِيهَا مِنْ آيَاتِ الْأَحْكَامِ شَيْءٌ، إِلَّا مَا خُتِمَتْ بِهِ مِنْ آيَاتِ التَّيَمُّمِ الْمُفْتَتَحَةِ بِالنَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي حَالِ السُّكْرِ، ثُمَّ صَرَّحَ بَعْدَهَا بِحِكَايَةِ أَحْوَالِ الْيَهُودِ فِي دِينِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَبَيَّنَ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْعِبَرِ، وَمَا يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعِيدِ ; لِيُعْلَمَ مِنْهُ سُنَّةُ اللهِ وَحُكْمُهُ فِيمَنْ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِهِمْ، وَتَكُونُ حَالُهُ كَحَالِهِمْ، كَمَا وَعَدَ مَنْ كَانَ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ ; وَهُوَ الْإِيمَانُ وَالصَّلَاحُ لِأَجْلِ الْعِبْرَةِ وَالْقُدْوَةِ، وَذَلِكَ مِنَ الْآيَةِ ٤٤ إِلَى الْآيَةِ ٥٧.
وَلَمَّا كَانَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْيَهُودِ ذِكْرٌ لِحَالِهِمْ فِي الْمُلْكِ لَوْ كَانَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْهُ، وَهُوَ الْأَثَرَةُ وَحِرْمَانُ غَيْرِهِمْ مِنْ أَقَلِّ مَنْفَعَةٍ، بَيَّنَ عَقِبَهُ مَا يَجِبُ أَنْ تُؤَسَّسَ عَلَيْهِ الْحُكُومَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، وَهُوَ أَدَاءُ الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا، وَالْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ بِالْعَدْلِ بِلَا مُحَابَاةٍ، وَإِطَاعَةُ اللهِ فِيمَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَإِطَاعَةُ رَسُولِهِ فِيمَا مَضَتْ بِهِ سُنَّتُهُ مِنْ بَيَانِهَا وَالْقَضَاءِ بِهَا أَوْ بِاجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُولِي الْأَمْرِ، وَهُمْ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِيمَا يَضَعُونَ لِلنَّاسِ مِنَ النِّظَامِ الْمَدَنِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ مِمَّا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ بِحَسْبِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ، فَيَكُونُ مَا يَضَعُونَهُ مُطَاعًا فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَمَا يَجِبُ أَنْ يُعَامَلُوا بِهِ، وَأَهَمُّ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute