أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ أَيْ أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ أَكْلَ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَالِانْتِفَاعَ بِهَا، قَالُوا: إِنَّ هَذَا مِنَ التَّفْصِيلِ بَعْدَ الْإِجْمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُقُودَ شَامِلَةٌ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ الَّتِي شَرَعَهَا اللهُ - تَعَالَى - وَأَمَرَ الْمُكَلَّفِينَ بِالْإِيفَاءِ بِهَا، فَكَانَتْ كَالْعَقْدِ بِارْتِبَاطِهِمْ وَتَقَيُّدِهِمْ بِهَا، فَبَدَأَ بَعْدَ وَضْعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ بِبَيَانِ مَا يَحِلُّ مِنَ الطَّعَامِ بِشَرْطِهِ الَّذِي يَتَضَمَّنُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الصَّيْدِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ أَيْ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ إِلَخْ.
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ أَيْ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ حَالَ كَوْنِكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ عَلَيْكُمْ، بِأَلَّا تَجْعَلُوهُ حَلَالًا بِاصْطِيَادِهِ أَوِ الْأَكْلِ مِنْهُ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ أَيْ وَأَنْتُمْ مُحْرِمُونَ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَوْ دَاخِلُونَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ " مُحِلِّي الصَّيْدِ " فَلَا يَحِلُّ الصَّيْدُ لِمَنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، وَلَا لِلْمُحْرِمِ، أَيِ الدَّاخِلِ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي خَارِجِ حُدُودِ الْحَرَمِ بِأَنْ نَوَى الدُّخُولَ فِي هَذَا النُّسُكِ، وَبَدَأَ بِأَعْمَالِهِ كَالتَّلْبِيَةِ وَلُبْسِ غَيْرِ الْمَخِيطِ، وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ هَذَا الْقَيْدَ لِحَلِّ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ مُرَجِّحًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا كَانَ مُشَابِهًا لِلْأَنْعَامِ مِنَ الْبَهَائِمِ الْوَحْشِيَّةِ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُصَادَ ; كَالظِّبَاءِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَحُمُرِهَا، وَأَمَّا حِلُّ الْأَنْعَامِ الْإِنْسِيَّةِ فَيُعْلَمُ مِنَ الْآيَةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَمِنْ غَيْرِهَا مِنَ النُّصُوصِ، بَلْ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ جَارِيًا عَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ.
إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ أَيْ يَمْنَعُ مَا أَرَادَ مَنْعَهُ، أَوْ يَجْعَلُهُ حُكْمًا وَقَضَاءً، وَالْحُكْمُ بِمَعْنَى الْمَنْعِ وَبِمَعْنَى الْقَضَاءِ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ، وَإِرَادَتُهُ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ الْمُحِيطِ وَحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ وَرَحْمَتِهِ الْوَاسِعَةِ، فَلَا عَبَثَ فِي أَحْكَامِهِ وَلَا جُزَافَ وَلَا خَلَلَ وَلَا ظُلْمَ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا شَعَائِرَ دِينِ اللهِ حَلَالًا تَتَصَرَّفُونَ بِهَا كَمَا تَشَاءُونَ، وَهِيَ مَعَالِمُهُ الَّتِي جَعَلَهَا أَمَارَاتٍ تَعْلَمُونَ بِهَا الْهُدَى ; كَمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَسَائِرِ فَرَائِضِهِ وَحُدُودِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، بَلِ اعْمَلُوا فِيهَا بِمَا بَيَّنَهُ لَكُمْ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا تُحِلُّوا الشَّهْرَ الْحَرَامَ بِاسْتِئْنَافِكُمْ قِتَالَ الْمُشْرِكِينَ فِيهِ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ هُنَا ذُو الْقَعْدَةِ، وَقِيلَ: رَجَبٌ، وَالْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَيَدْخُلُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ، وَهِيَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَاجِعْ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ (٢: ٢١٧) فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنَ التَّفْسِيرِ ; لِتَقِفَ عَلَى تَتِمَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا تُحِلُّوا الْهَدْيَ الَّذِي يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللهِ مِنَ الْأَنْعَامِ ; لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى مَنْ هُنَاكَ مِنْ عَاكِفٍ وَبَادٍ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ تَعَالَى، وَإِحْلَالُهُ يَكُونُ بِمَنْعِ بُلُوغِهِ إِلَى مَحِلِّهِ مِنْ بَيْتِ اللهِ ; كَأَخْذِهِ لِذَبْحِهِ غَصْبًا أَوْ سَرِقَةً، أَوْ حَبْسُهُ عِنْدَ مَنْ أَخَذَهُ، وَلَا تُحِلُّوا الْقَلَائِدَ الَّتِي يُقَلَّدُ بِهَا هَذَا الْهَدْيُ، بِنَزْعِ الْقِلَادَةِ مِنْ عُنُقِ الْبَعِيرِ ; لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لَهَا أَحَدٌ يَجْهَلُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْقَلَائِدِ ذَوَاتُ الْقَلَائِدِ مِنَ الْهَدْيِ كَأَنَّهُ قَالَ: لَا تُحِلُّوا الْهَدْيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute