للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِمُسْلِمٍ " فَفَاتَهُمْ وَقَدِمَ الْيَمَامَةَ، وَحَضَرَ الْحَجُّ، فَجَهَّزَ خَارِجًا، وَكَانَ عَظِيمَ التِّجَارَةِ، فَاسْتَأْذَنُوا أَنْ يَتَلَقَّوْهُ وَيَأْخُذُوا مَا مَعَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ إِلَخْ. وَأَنْتَ تَرَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ

مُتَعَارِضَةً، وَسَوَاءٌ صَحَّتْ أَوْ لَمْ تَصِحَّ ; فَالْآيَةُ عَلَى إِطْلَاقِهَا وَعُمُومِهَا، وَالْمُفِيدُ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَعْرِفَةُ أَحْوَالِ أَهْلِ ذَلِكَ الْعَصْرِ، فَإِنَّهَا تُعِينُ عَلَى الْفَهْمِ.

وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا أَيْ وَإِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، وَمِنْ أَرْضِ الْحَرَمِ فَاصْطَادُوا إِنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْكُمُ الصَّيْدُ فِي أَرْضِ الْحَرَمِ وَفِي حَالِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ بِالشَّيْءِ يَجِيءُ بَعْدَ حَظْرِهِ: أَنْ يَكُونَ لِلْإِبَاحَةِ، أَيْ رَفْعِ ذَلِكَ الْحَظْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ (٦٢: ١٠) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالْكَسْبِ الَّذِي جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ (٦٢: ٩) وَمِنْهُ حَدِيثُ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا، وَتُذَكِّرُ بِالْآخِرَةِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَهُ شَاهِدٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيلٍ. وَمَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الْإِبَاحَةَ قَدْ يَجِبُ أَوْ يُنْدَبُ أَوْ يُحْظَرُ ; لِعَارِضٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ.

وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَاصِمٍ وَإِسْمَاعِيلُ عَنْ نَافِعٍ " شَنْآنُ " بِسُكُونِ النُّونِ الْأَوْلَى، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: " إِنْ صَدُّوكُمْ " بِكَسْرِ " إِنْ " عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُشِيرُ إِلَى صَدِّ الْمُشْرِكِينَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْعُمْرَةِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَتَنْهَاهُمْ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ السُّورَةُ لِأَجْلِ اعْتِدَائِهِمُ السَّابِقِ، وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ: وَلَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ وَعَدَاوَتُهُمْ عَلَى أَنْ تَعْتَدُوا عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى أَعْدَائِهِمْ إِنْ صَدُّوهُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَيْ عَنِ النُّسُكِ فِيهِ وَزِيَارَتِهِ، وَلَوْ لِلتِّجَارَةِ، وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ هَذَا قَدْ نَزَلَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَمْ يَكُنْ يُتَوَقَّعُ صَدٌّ مِنْ أَحَدٍ، وَبِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (٢: ١٩١) وَأُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَى مَعْنَى الْمَاضِي بِتَقْدِيرِ الْكَوْنِ، أَيْ: إِنْ كَانُوا صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ وُرُودَ هَذَا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ عَلَى الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ، لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ

الْأَحْكَامَ قَدْ تُبْنَى عَلَى الْفَرْضِ، وَلِأَنَّ هَذَا الصَّدَّ قَدْ يَقَعُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ مَكَّةَ فِي عَصْرِنَا مِنْ مَنْعِ بَعْضِ الْعَرَبِ كَأَهْلِ نَجْدٍ مِنَ الْحَجِّ لِأَسْبَابٍ دُنْيَوِيَّةٍ ; كَأَخْذِ بَعْضِ أُمَرَاءِ نَجْدٍ الزَّكَاةَ مِنْ بَعْضِ الْقَبَائِلِ الَّذِينَ يَعُدُّهُمْ أُمَرَاءُ مَكَّةَ تَابِعِينَ لَهُمْ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةً عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاصْطَادُوا دَاخِلَةً فِي حَيِّزِ شَرْطِهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>