للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السُّنَّةِ أَيْضًا، وَيُصَحِّحُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ (٤: ٥٩) الْآيَةَ، قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: الرَّدُّ إِلَى اللهِ: الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ،

وَالرَّدُّ إِلَى الرَّسُولِ إِذَا كَانَ حَيًّا فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ - تَعَالَى - فَالرَّدُّ إِلَى سُنَّتِهِ. وَمِثْلُهُ: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا (٣٣: ٣٦) الْآيَةَ. يُقَالُ: إِنَّ السُّنَّةَ يُؤْخَذُ بِهَا عَلَى أَنَّهَا بَيَانٌ لِكِتَابِ اللهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (١٦: ٤٤) وَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ ; لِأَنَّا نَقُولُ: إِنْ كَانَتِ السُّنَّةُ بَيَانًا لِلْكِتَابِ فَفِي أَحَدِ قِسْمَيْهَا ; فَالْقِسْمُ الْآخَرُ زِيَادَةٌ عَلَى حُكْمِ الْكِتَابِ، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، وَتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَقِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كِتَابَ اللهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيهِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ إِلَّا كِتَابُ اللهِ، فَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ عِنْدَهُمْ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَصَّلْتَ. وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي، وَهُوَ السُّنَّةُ بِحَوْلِ اللهِ. اهـ.

ثُمَّ قَالَ فِي (الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ) مِنْ مَسَائِلِ الدَّلِيلِ الثَّانِي (السُّنَّةُ) مَا نَصُّهُ، وَفِيهِ بَيَانُ مَا وَعَدَ بِهِ:

" رُتْبَةُ السُّنَّةِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْكِتَابِ فِي الِاعْتِبَارِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أُمُورٌ (أَحَدُهَا) : أَنَّ الْكِتَابَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَالسُّنَّةَ مَظْنُونَةٌ، وَالْقَطْعُ فِيهَا إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ لَا فِي التَّفْصِيلِ، بِخِلَافِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَالتَّفْصِيلِ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَظْنُونِ ; فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْكِتَابِ عَلَى السُّنَّةِ.

(وَالثَّانِي) : أَنَّ السُّنَّةَ إِمَّا بَيَانٌ لِلْكِتَابِ، أَوْ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ بَيَانًا كَانَ ثَانِيًا عَلَى الْمُبِينِ فِي الِاعْتِبَارِ، إِذْ يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْمُبِينِ سُقُوطُ الْبَيَانِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْبَيَانِ سُقُوطُ الْمُبِينِ، وَمَا شَأْنُهُ هَذَا فَهُوَ أَوْلَى فِي التَّقَدُّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا فَلَا يُعْتَبَرُ إِلَّا بَعْدَ أَلَّا يُوجَدَ فِي الْكِتَابِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ اعْتِبَارِ الْكِتَابِ.

(وَالثَّالِثُ) : مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ ; كَحَدِيثِ مُعَاذٍ: " بِمَ تَحْكُمُ؟ " قَالَ: بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي " الْحَدِيثَ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى شُرَيْحٍ: إِذَا أَتَاكَ

أَمْرٌ فَاقْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>