للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ: كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ قَالَ: ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ؟ قَالَ: " ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ " قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي؟ قَالَ: " وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ، مَا لَمْ يَصِلْ - أَيْ: يُنْتِنْ - أَوْ يَتَغَيَّرْ أَوْ تَجِدُ فِيهِ أَثَرَ غَيْرِ سَهْمِكَ " ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ آنِيَةِ الْمَجُوسِ، فَأَفْتَاهُ بِغَسْلِهَا وَالْأَكْلِ فِيهَا. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ، سَبَبُهَا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ كُلَّ مَا رَوَاهُ عَنْ جَدِّهِ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُ صَحِيفَةٌ مَكْتُوبَةٌ أَوْ كِتَابٌ، وَهُوَ مَا يُسَمُّونَهُ " الْوِجَادَةَ " فَمِنْ هَهُنَا ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمْ، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، وَإِنْ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ ; لِمَا لَهُ مِنَ الشُّرُوطِ فِيهِ غَيْرِ ثِقَةِ الرَّاوِي، قَالَ: رَأَيْتُ أَحْمَدَ

وَعَلِيًّا، وَإِسْحَاقَ وَالْحُمَيْدِيَّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُمْ؟ ! وَالتَّحْقِيقُ مَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ: " لَسْنَا نَقُولُ إِنَّ حَدِيثَهُ مِنْ أَعْلَى أَقْسَامِ الصَّحِيحِ، بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ ".

فَإِذَا كَانَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ عَدِيٍّ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، فَلِمَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ عَدِيًّا كَانَ مُوسِرًا فَاخْتِيرَ لَهُ الْحَمْلُ عَلَى الْأَوْلَى، بِخِلَافِ أَبِي ثَعْلَبَةَ ; فَإِنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا فَقِيرًا، وَرَدُّوا هَذَا بِتَعْلِيلِ الْحَدِيثِ بِخَوْفِ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَقُولُ: إِنَّ مَفْهُومَ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَإِنْ أَكَلَ الْجَارِحُ قِطْعَةً مِنْهُ لِشِدَّةِ جُوعِهِ - مَثَلًا - كَمَا يَأْكُلُ مِنْ سَائِرِ طَعَامِ مُعَلِّمِهِ، وَإِنْ عَلِمَ بِالْقَرِينَةِ أَنَّهُ إِنَّمَا صَادَ لِنَفْسِهِ وَأَمْسَكَ لَهَا لِعَدَمِ انْتِهَاءِ تَعْلِيمِهِ وَتَكْلِيبِهِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلَّا إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ النَّهْيَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْخَوْفُ مِنَ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ تَرْجِيحٌ لَهُ.

أَمَّا " مِنْ " فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ فَذَهَبَ ابْنُ جَرِيرٍ إِلَى أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ، فَإِنَّ مَا يُمْسِكُهُ الْجَارِحَةُ حَلَالٌ لَحْمُهُ حَرَامٌ فَرْثُهُ وَدَمُهُ، فَيُؤْكَلُ بَعْضُهُ وَهُوَ اللَّحْمُ. وَرَدَ قَوْلُ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ. وَأَقُولُ: هِيَ هُنَا مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ (٢٣: ٥١) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ (٢: ٦٠) كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا (٢: ١٦٨) كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ (٦: ١٤١) فَـ " مِنْ " فِي كُلِّ ذَلِكَ لِلِابْتِدَاءِ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهَا، فَإِنْ كَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ ; فَلِأَنَّهُ الْوَاقِعُ غَالِبًا، لَا لِإِفَادَةِ حِلِّ بَعْضِ مَا ذُكِرَ وَتَحْرِيمِ بَعْضٍ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:

وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ: اذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا أَمْسَكَتْ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ مِنَ الصَّيْدِ عِنْدَ أَكْلِهِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ إِرْسَالِ الْكَلْبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>