الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا الْغَسْلَ، فَفِي كَلَامِهِ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ مُؤَوَّلَةٌ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ بِعَمَلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَنِسْبَةُ جَوَازِ الْمَسْحِ إِلَى أَبِي الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ زُورٌ وَبُهْتَانٌ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ نِسْبَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، أَوِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ، وَمِثْلُهُ نِسْبَةُ التَّخْيِيرِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْكَبِيرِ وَالتَّفْسِيرِ الشَّهِيرِ، وَقَدْ نَشَرَ رُوَاةُ الشِّيعَةِ هَذِهِ الْأَكَاذِيبَ الْمُخْتَلَقَةَ، وَرَوَاهَا بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزِ الصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ مِنَ الْأَخْبَارِ بِلَا تَحَقُّقٍ وَلَا سَنَدٍ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ، وَلَعَلَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الْقَائِلَ بِالتَّخْيِيرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ رُسْتُمَ الشِّيعِيُّ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ لِلْمُسْتَرْشِدِ فِي الْإِمَامَةِ، لَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ غَالِبٍ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا هُوَ الْغَسْلُ فَقَطْ، لَا الْمَسْحُ وَلَا الْجَمْعُ وَلَا التَّخْيِيرُ الَّذِي نَسَبَهُ الشِّيعَةُ إِلَيْهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي دَعْوَى الْمَسْحِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ، أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، وَشَرِبَ فَضْلَ طَهُورِهِ قَائِمًا وَقَالَ: " إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ. وَهَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وُضُوءِ الْمُحْدِثِ، لَا فِي مُجَرَّدِ التَّنْظِيفِ بِمَسْحِ الْأَطْرَافِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ مَسْحِ الْمَغْسُولِ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ، بِرِوَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْحُفَّاظُ: شَاذٌّ مُنْكَرٌ، لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ مَعَ احْتِمَالِ حَمْلِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ مَجَازًا، وَاحْتِمَالِ اشْتِبَاهِ الْقَدَمَيْنِ الْمُتَخَفِّفَيْنِ بِدُونِ الْمُتَخَفِّفَيْنِ مِنْ بَعِيدٍ. وَمِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، مَا رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَهْوَازِيُّ، عَنْ فُضَالَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ غَالِبِ بْنِ هُذَيْلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ
الْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحَمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: " سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، كَيْفَ هُوَ؟ فَوَضَعَ بِكَفَّيْهِ عَلَى الْأَصَابِعِ ثُمَّ مَسَحَهُمَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ هَكَذَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ، أَيُجْزِئُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا بِكَفِّهِ كُلِّهَا. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَوَتْهُ الْإِمَامِيَّةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحْوَالِ رُوَاتِهِمْ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَى خَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نُبْذَةً مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا (النَّفَحَاتُ الْقُدُسِيَّةُ فِي رَدِّ الْإِمَامِيَّةِ) عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: لَوْ فُرِضَ أَنَّ حُكْمَ اللهِ - تَعَالَى - الْمَسْحُ عَلَى مَا يَزْعُمُهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنَ الْآيَةِ فَالْغَسْلُ يَكْفِي عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْغَسْلَ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَنْهُ، فَبِالْغَسْلِ يَلْزَمُ الْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ دُونَ الْمَسْحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَسْلَ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِ الْمَسْحِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ وَزِيَادَةٍ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute