وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِنَّمَا لَبِسَ الْجُبَّةَ الرُّومِيَّةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، وَهِيَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَبَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي بَابِ شَرْعِيَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنَ الْمَتْنِ، وَعَزَاهُ إِلَى أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنْسِيتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ، بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ " قَالَ فِي الشَّرْحِ: الْحَدِيثُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. انْتَهَى. أَقُولُ: لَعَلَّهُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ قَالُوا: إِنَّ قِرَاءَةَ وَأَرْجُلَكُمْ بِالْجَرِّ مُرَادٌ بِهَا مَسْحُ الْخُفَّيْنِ، وَسَيَأْتِي حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى.
الْمَسْحُ عَلَى كُلِّ سَاتِرٍ كَالْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ: قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ: عَنْ بِلَالٍ قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَلِأَبِي دَاوُدَ: كَانَ يَخْرُجُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ " وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، عَنْ بِلَالٍ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: امْسَحُوا عَلَى النَّصِيفِ وَالْمُوقِ " وَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: " أَنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ (أَيْ: أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ) إِلَّا النَّسَائِيَّ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. انْتَهَى.
وَقَالَ شَارِحُهُ: إِنَّ حَدِيثَ بِلَالٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالضِّيَاءُ أَيْضًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: " وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ
وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ حَرِيثٍ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى لِلْحَدِيثِ أَعَلُّوهَا، ثُمَّ قَالَ:
" وَالْحَدِيثُ بِجَمِيعِ رِوَايَاتِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْمُوقَيْنِ، وَهُمَا ضَرْبٌ مِنَ الْخِفَافِ، قَالَهُ ابْنُ سِيدَهْ وَالْأَزْهَرِيُّ، وَهُوَ مَقْطُوعُ السَّاقَيْنِ، قَالَهُ فِي الضِّيَاءِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمُوقُ: الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، قِيلَ: وَهُوَ عَرَبِيٌّ، وَقِيلَ: فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَعَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَعَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى النَّصِيفِ، وَهُوَ أَيْضًا الْخِمَارُ، قَالَهُ فِي الضِّيَاءِ، وَعَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ، وَهُوَ لُفَافَةُ الرِّجْلِ، قَالَهُ فِي الضِّيَاءِ وَالْقَامُوسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ الْخُفُّ الْكَبِيرُ، وَقَدْ قَالَ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ مَنْ ذَكَرَهُمْ أَبُو دَاوُدَ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَزَادَ ابْنُ سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيَّ: عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَعَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا يَجُوزُ عَلَى النَّعْلَيْنِ إِذَا لَبِسَهُمَا فَوْقَ الْجَوْرَبَيْنِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَا يَجُوزُ مَسْحُ الْجَوْرَبَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَا بِنَعْلَيْنِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا " انْتَهَى.
أَقُولُ: إِنَّمَا اشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ أَنْ يُلْبَسَا عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ; لِأَنَّ نِعَالَهُمْ لَمْ تَكُنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute