أَوْ فَقْدُ الْمَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِإِحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) أَيْ فَاقْصِدُوا تُرَابًا، أَوْ مَكَانًا مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ طَاهِرًا، لَا نَجَاسَةَ عَلَيْهِ، فَاضْرِبُوا بِأَيْدِيكُمْ عَلَيْهِ، وَأَلْصِقُوهَا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الرُّسْغَيْنِ، بِحَيْثُ يُصِيبُهَا أَثَرٌ مِنْهُ، وَقَدْ شَرَحْنَا آيَةَ التَّيَمُّمِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَقَفَّيْنَا عَلَى تَفْسِيرِهَا بِعَشْرِ مَسَائِلَ فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّيَمُّمِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ، وَمَحَلِّهِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، وَكَوْنِهِ ضَرْبَةً
وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَلَا تَرْتِيبَ فِيهِ، وَمَعْنَى الصَّعِيدِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ، وَكَوْنِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ فِيهِ سَوَاءً إِذَا فُقِدَ الْمَاءُ، وَكَوْنِ الصَّلَاةِ بِهِ مُجْزِئَةً لَا تَجِبْ إِعَادَتُهَا، وَبَحْثِ تَيَمُّمِ الْمُسَافِرِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَبَحْثِ التَّيَمُّمِ مِنَ الْبَرْدِ وَالْجُرْحِ، وَكَوْنِهِ كَالْوُضُوءِ فِي الْوَقْتِ وَقَبْلَهُ، وَفِي اسْتِبَاحَةِ عِدَّةِ صَلَوَاتٍ بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ فِي بَيَانِ حِكْمَةِ التَّيَمُّمِ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُرَاجِعْ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْجُزْءِ الْخَامِسِ مِنَ التَّفْسِيرِ (ص ١٠٠ - ١١٠ مِنْ مَطْبُوعِ الْهَيْئَةِ) .
نَوَاقِضُ الْوُضُوءِ: وَقَدْ عُلِمَ مِنَ الْآيَةِ بِطَرِيقِ الْكِنَايَةِ أَنَّ الْحَدَثَ، الَّذِي يَكُونُ فِي الْغَائِطِ، يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ; فَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ، بَعْدَهُ إِلَّا لِمَنْ تَوَضَّأَ، وَذَلِكَ الْحَدَثُ: هُوَ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ; الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِي يَنْقُضُ هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي مَحَلِّ التَّخَلِّي (قَضَاءِ الْحَاجَّةِ) الَّذِي عُبِّرَ عَنْهُ بِالْغَائِطِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الرِّيحُ وَالْمَذْيُ اللَّذَانِ يَخْرُجَانِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَكِنْ ثَبَتَ فِي السُّنَّةِ نَقْضُ الْوُضُوءِ بِهِمَا، وَصَحَّ الْحَدِيثُ فِي أَنَّ الرِّيحَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ، يُعْتَبَرُ فِي نَقْضِهِ لِلْوُضُوءِ، أَنْ يُسْمَعَ لَهُ صَوْتٌ، أَوْ تُشَمَّ لَهُ رَائِحَةٌ. رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: " لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ " أَيْ رَائِحَةٍ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ، وَقَدِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ، فَمَا يُحِسُّ الْإِنْسَانُ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ لَا يَسْمَعُ لَهُ صَوَّتًا، وَلَا يَجِدُ لَهُ رَائِحَةً لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ. وَقَدْ رُوِيَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ " إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَوَجَدَ رِيحًا مِنْ نَفْسِهِ، فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا " الرِّيحُ الثَّانِيَةُ: الرَّائِحَةُ، وَالْعُمْدَةُ: الْيَقِينُ بِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّقْضِ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنَ الْبَدَنِ بِجُرْحٍ، أَوْ حِجَامَةٍ، أَوْ رُعَافٍ. قِيلَ: يَنْقَضُ مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: يَنْقُضُ كَثِيرُهُ دُونَ قَلِيلِهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ يُحْتَجُّ بِهِ مَعَ تَوفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ ; لِكَثْرَةِ مَنْ كَانَ يُجْرَحُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقِتَالِ، دَعِ الْحِجَامَةَ وَسَائِرَ الْجُرُوحِ وَالدَّمَامِلَ، بَلْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا، أَنَّ عَبَّادَ بْنَ بِشْرٍ أُصِيبَ بِسِهَامٍ وَهُوَ يُصَلِّي، فَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ، وَلَمْ يَنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute