الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ، حِكَايَةً عَنِ الْمَسِيحِ وَعَنْ أَلْسِنَتِهِمْ أَنْفُسِهِمْ، قَالَ مَتَّى حِكَايَةً عَنْهُ: (٢٦: ١٣ الْحُقُّ أَقُولُ لَكُمْ حَيْثُمَا يُكْرَزُ بِهَذَا الْإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ يُخْبِرُ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هَذِهِ تِذْكَارًا لَهَا) أَيْ مَا فَعَلَتْهُ الْمَرْأَةُ الَّتِي سَكَبَتْ قَارُورَةَ الطِّيبِ عَلَى رَأْسِهِ. أَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُخْبِرُوا كُلَّ مَنْ يُبَلِّغُونَهُمُ الْإِنْجِيلَ فِي عَالَمِ الْيَهُودِيَّةِ كُلِّهَا بِمَا فَعَلَتْهُ تِلْكَ الْمَرْأَةُ، فَخَبَرُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مِنَ الْإِنْجِيلِ الَّذِي جَاءَ فِي كَلَامِ الْمَسِيحِ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي تِلْكَ التَّوَارِيخِ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ. وَسُمِّيَتْ تِلْكَ التَّوَارِيخُ أَنَاجِيلَ لِأَنَّهَا تَتَكَلَّمُ عَنْ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَتَجِيءُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ; وَلِذَلِكَ بَدَأَ مُرْقُسُ تَارِيخَهُ بِقَوْلِهِ: " بَدْءُ إِنْجِيلِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ "، ثُمَّ قَالَ حِكَايَةً عَنِ الْمَسِيحِ: (١: ١٥ فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالْإِنْجِيلِ) فَالْإِنْجِيلُ الَّذِي أَمَرَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ لَيْسَ هُوَ أَحَدَ هَذِهِ التَّوَارِيخِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا مَجْمُوعَهَا، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ بُولَسُ فِي رِسَالَتِهِ الْأُولَى إِلَى أَهْلِ تِسَالُونِيكِي " الْإِنْجِيلَ الْمُطْلَقَ " (٢: ٤) وَإِنْجِيلَ اللهِ (٢: ٨ و٩) وَإِنْجِيلَ الْمَسِيحِ (٣: ٢) وَالْكِتَابُ الْإِلَهِيُّ يُضَافُ إِلَى اللهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ أَوْحَاهُ، وَإِلَى النَّبِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ أَوْ جَاءَ بِهِ، كَمَا يُقَالُ تَوْرَاةُ مُوسَى.
ثَالِثًا: كَانَتِ الْأَنَاجِيلُ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى لِلْمَسِيحِ كَثِيرَةً جِدًّا، حَتَّى قِيلَ: إِنَّهَا بَلَغَتْ زُهَاءَ سَبْعِينَ إِنْجِيلًا، وَقَالَ بَعْضُ مُؤَرِّخِي الْكَنِيسَةِ: إِنَّ الْأَنَاجِيلَ الْكَاذِبَةَ كَانَتْ ٣٥ إِنْجِيلًا، وَقَدْ رَدَّ صَاحِبُ كِتَابِ (ذَخِيرَةِ الْأَلْبَابِ) الْمَارُونِيُّ الْقَوْلَ بِكَثْرَتِهَا،
وَقَالَ إِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ تَسْمِيَةُ الْوَاحِدِ بِعِدَّةِ أَسْمَاءَ، وَقَالَ: إِنَّ الْخَمْسَةَ وَالثَّلَاثِينَ لَا تَكَادُ تَبْلُغُ الْعِشْرِينَ، وَعَدَّهَا كُلَّهَا، وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهَا مُكَرَّرُ الِاسْمِ، وَذَكَرَ مِنْهَا إِنْجِيلَ الْقِدِّيسِ بِرْنَابَا، وَذَكَرَ أَنَّ جَاحِدِي الْوَحْيِ طَعَنُوا فِي الْأَنَاجِيلِ أَرْبَعَةَ مَطَاعِنَ: (١) : أَنَّ الْآبَاءَ الَّذِينَ سَبَقُوا الْقِدِّيسَ يُوسْتِينُوسَ الشَّهِيدَ لَمْ يَذْكُرُوا إِلَّا أَنَاجِيلَ كَاذِبَةً وَمَدْخُولَةً.
(٢) : لَا سَبِيلَ إِلَى إِظْهَارِ أَسْفَارِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّتِي خَطَّهَا مُؤَلِّفُوهَا.
(٣) : قَدْ فَاتَ الْجَمِيعَ مَعْرِفَةُ الْمَوْضِعِ وَالْعَهْدِ اللَّذَيْنِ كُتِبَتْ فِيهِمَا.
(٤) أَنْ كُورِنْتِسَ وَكِرْبُوكِرَاتُوسَ قَدْ نَبَذَا ظِهْرِيًّا مُنْذُ أَوَائِلِ الْكَنِيسَةِ إِنْجِيلَ الْقِدِّيسِ لُوقَا، وَالْأَلُوغِيِّينَ إِنْجِيلَ الْقِدِّيسِ يُوحَنَّا، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنَّ يَرُدَّ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ رَدًّا مَقْبُولًا عِنْدَ مُسْتَقِلَّيِ الْفِكْرِ.
وَقَالَ الدُّكْتُورُ بوستُ الْبُرُوتِسْتَانِيُّ فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ: إِنَّ نَقْصَ الْأَنَاجِيلِ غَيْرِ الْقَانُونِيَّةِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّهَا مُضَادَّةٌ لِرُوحِ الْمُخَلِّصِ وَحَيَاتِهِ. وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّنَا قَدِ اطَّلَعْنَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا، وَهُوَ إِنْجِيلُ بِرْنَابَا، فَوَجَدْنَاهُ أَكْمَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَرْبَعَةِ فِي تَقْدِيسِ اللهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَفِي الْحَثِّ عَلَى الْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا بُرْهَانَهَمْ، عَلَى رَدِّ تِلْكَ الْأَنَاجِيلِ الْكَثِيرَةِ، وَإِثْبَاتِ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، فَهُوَ بُرْهَانٌ يُثْبِتُ صِحَّةَ إِنْجِيلِ بَرْنَابَا قَبْلَ غَيْرِهِ، أَوْ دُونَ غَيْرِهِ.
رَابِعًا: بُدِئَ تَحْرِيفُ الْإِنْجِيلِ مِنَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ، قَالَ بُولِسُ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ غِلَاطِيةَ: (١: ٦ إِنِّي أَتَعَجَّبُ أَنَّكُمْ تَنْتَقِلُونَ هَكَذَا سَرِيعًا عَنِ الَّذِي دَعَاكُمْ بِنِعْمَةِ الْمَسِيحِ إِلَى إِنْجِيلٍ آخَرَ. لَا لَيْسَ هُوَ آخَرُ غَيْرَ أَنَّهُ يُوجَدُ قَوْمٌ يُزْعِجُونَكُمْ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُحَوِّلُوا إِنْجِيلَ الْمَسِيحِ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute