(٢) أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُسَمَّى حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ إِنَّمَا هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ، وَلِأَنَّ فِي الْمِصْرِ يَلْحَقُ الْغَوْثُ غَالِبًا، فَتَذْهَبُ شَوْكَةُ الْمُعْتَدِينَ، وَيَكُونُونَ مُخْتَلِسِينَ، وَالْمُخْتَلِسُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِي الْمِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ لِتَنَاوُلِ الْآيَةِ بِعُمُومِهَا كُلَّ مُحَارِبٍ ; وَلِأَنَّهُ فِي الْمِصْرِ أَعْظَمُ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى.
(٣) أَنْ يَأْتُوا مُجَاهَرَةً وَيَأْخُذُوا الْمَالَ قَهْرًا، فَأَمَّا إِنْ أَخَذُوهُ مُخْتَفِينَ فَهُمْ سُرَّاقٌ، وَإِنِ اخْتَطَفُوهُ وَهَرَبُوا فَهُمْ مُنْتَهِبُونَ لَا قَطْعَ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ خَرَجَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ عَلَى آخِرِ قَافِلَةٍ فَاسْتَلَبُوا مِنْهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ، وَإِنْ خَرَجُوا عَلَى عَدَدٍ يَسِيرٍ فَقَهَرُوهُمْ، فَهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ " انْتَهَى.
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُسْتَقِلِّينَ بِالْفَهْمِ: إِنَّ أَكْثَرَ الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ، لَا يُوجَدُ لَهَا أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ دَلَالَةً صَرِيحَةً عَلَى أَنَّ هَذَا الْعِقَابَ خَاصٌّ بِمَنْ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِالسَّلْبِ وَالنَّهْبِ، أَوِ الْقَتْلِ، أَوْ إِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ - أَوْ مِنْهُ - الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْأَعْرَاضِ إِذَا كَانُوا مُحَارِبِينَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِقُوَّةٍ يَمْتَنِعُونَ بِهَا مِنَ الْإِذْعَانِ وَالْخُضُوعِ لِشَرْعِهِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا حَيْثُ يُقَامُ شَرْعُهُ الْعَادِلُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ. فَمَنِ اشْتَرَطَ حَمْلَهُمُ السِّلَاحَ أَخَذَ شَرْطَهُ مِنْ كَوْنِ الْقُوَّةِ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا ذَانِكَ الْأَمْرَانِ إِنَّمَا هِيَ قُوَّةُ السِّلَاحِ، وَهُوَ لَوْ قِيلَ لَهُ إِنَّهُ يُوجَدُ أَوْ سَيُوجَدُ مَوَادُّ تَفْعَلُ فِي الْإِفْسَادِ وَالْإِعْدَامِ وَتَخْرِيبِ الدُّورِ، وَكَذَا فِي الْحِمَايَةِ وَالْمُقَاوَمَةِ أَشَدَّ مِمَّا يَفْعَلُ السِّلَاحُ - كَالدِّينَامِيتِ الْمَعْرُوفِ الْآنَ - أَلَا تَرَاهُ فِي حُكْمِ السِّلَاحِ؟ يَقُولُ: بَلَى، وَمَنِ اشْتَرَطَ خَارِجَ الْمِصْرِ رَاعَى الْأَغْلَبَ، أَوْ أَخَذَ مِنْ حَالِ زَمَنِهِ أَنَّ الْمِصْرَ لَا يَكُونُ فِيهِ ذَلِكَ. وَمَا اشْتَرَطَ أَحَدٌ شَرْطًا غَيْرَ صَحِيحٍ أَوْ غَيْرَ مُطَّرِدٍ إِلَّا وَلَهُ وَجْهٌ انْتَزَعَهُ مِنْهُ.
أَمَّا ذَلِكَ الْجَزَاءُ الَّذِي يُعَاقَبُ بِهِ أَمْثَالُ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ بِالْقُوَّةِ فَهُوَ (أَنْ يُقَتَّلُوا
أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) . التَّقْتِيلُ: هُوَ التَّكْثِيرُ، أَوِ التَّكْرَارُ، أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْقَتْلِ، فَأَمَّا مَعْنَى التَّكْرَارِ أَوِ التَّكْثِيرِ فَلَا يَظْهَرُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ الْأَفْرَادِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: كُلَّمَا ظَفِرْتُمْ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ مِنْهُمْ فَاقْتُلُوهُ، وَأَمَّا الْمُبَالَغَةُ فَتَظْهَرُ بِكَوْنِ الْقَتْلِ حَتْمًا لَا هَوَادَةَ فِيهِ، وَلَا عَفْوَ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْمُحَارِبِينَ الْمُفْسِدِينَ إِذَا قَدَرْنَا عَلَى الْقَاتِلِ مِنْهُمْ نَقْتُلُهُ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ وَلِيُّ الدَّمِ أَوْ رَضِيَ بِالدِّيَةِ. وَالتَّصْلِيبُ: التَّكْرَارُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ فِي الصَّلْبِ، فَيُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي التَّقْتِيلِ، وَيُمْكِنُ تَكْرَارُ صَلْبِ الْوَاحِدِ عَلَى قَوْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute