للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَالَ قُتِلَ حَتْمًا، وَصُلِبَ حَتَّى يَشْتَهِرَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ (مِنْ فُقَهَائِهِمْ) :

" يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ. وَإِنْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ، فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ " إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ، وَهُوَ مِثْلُ الَّذِي عَزَوْنَاهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَعَ تَفْصِيلٍ وَذِكْرِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ مُحَشِّيهِ مَا نَصُّهُ: " قَوْلُهُ وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ. . . إِلَخْ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَحَمَّادٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ وَالْقَطْعِ وَالنَّفْيِ ; لِأَنَّ (أَوْ) تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ. وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ فَرَآهُ الْإِمَامُ جَلْدًا ذَا رَأْيٍ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ جَلْدًا لَا رَأْيَ لَهُ قَطَعَهُ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ فِعْلُهُ " انْتَهَى. أَيْ إِنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ حَالَ قَاطِعِ الطَّرِيقِ فِي الْعِقَابِ، لَا عَمَلُهُ وَحْدَهُ، وَالْجَلْدُ: الْقَوِيُّ صَاحِبُ الثَّبَاتِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْقُوَّةُ مَعَ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ كَانَ الْفَسَادُ أَقْوَى، وَالْعَاقِبَةُ شَرًّا. وَذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ; مِنْهَا أَقْوَالُ أَئِمَّةِ الزَّيْدِيَّةِ، فَلْيُرَاجِعْهَا مَنْ شَاءَ.

قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) أَيْ ذَلِكَ الَّذِي ذُكِرَ مِنَ الْعِقَابِ خِزْيٌ لِأُولَئِكَ الْمُحَارِبِينَ الْمُفْسِدِينَ ; أَيْ ذُلٌّ وَفَضِيحَةٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ; لِيَكُونُوا عِبْرَةً لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَقَالَ: (لَهُمْ خِزْيٌ) وَلَمْ يَقُلْ " خِزْيٌ لَهُمْ " ; لِيُفِيدَ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِمْ، دُونَ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ، وَمُغْتَرِّينَ بِالْقُوَّةِ وَالْعَصَبِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ عَذَابَهُمْ فِي الْآخِرَةِ يَكُونُ عَظِيمًا بِقَدْرِ تَأْثِيرِ إِفْسَادِهِمْ فِي تَدْنِيسِ أَرْوَاحِهِمْ وَتَدْسِيَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَيَا لَهُ مِنْ تَأْثِيرٍ! .

(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) اسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى مِنَ الْمُحَارِبِينَ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، الَّذِينَ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِأَشَدِّ الْجَزَاءِ فِي الدُّنْيَا وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ، مَنْ يَتُوبُونَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ، وَتَمَكُّنِ أُولِي الْأَمْرِ مِنْ عِقَابِهِمْ ; فَإِنَّ تَوْبَتَهُمْ، وَهُمْ فِي قُوَّتِهِمْ وَمَنَعَتِهِمْ، جَدِيرَةٌ بِأَنْ تَكُونَ تَوْبَةً نَصُوحًا، مَنْشَؤُهَا الْعِلْمُ بِقُبْحِ عَمَلِهِمْ، وَالْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ، لَا الْخَوْفُ مِنْ عِقَابِ الدُّنْيَا، وَهَبْ أَنَّهُ الْخَوْفُ مِنْ عِقَابِ الدُّنْيَا، أَلَيْسُوا قَدْ تَرَكُوا الْإِفْسَادَ وَمُحَارَبَةَ شَرْعِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَصَارُوا كَسَائِرِ النَّاسِ؟ بَلَى! وَإِذًا لَا يُجْمَعُ لَهُمْ بَيْنَ أَشَدِّ عِقَابِ الشَّرْعِ

فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ ; وَلِذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ بِهَذِهِ التَّوْبَةِ أَهْلًا لِمَغْفِرَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَقَالَ: (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أَيْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ يَغْفِرُ لَهُمْ مَا سَلَفَ، وَيَرْحَمُهُمْ بِرَفْعِ الْعِقَابِ عَنْهُمْ، وَهَلِ الَّذِي يَرْتَفِعُ عَنْهُمْ عِقَابُ الْآخِرَةِ فَقَطْ كَمَا قَالُوا فِي تَوْبَةِ السَّارِقِ؟ (وَسَيَأْتِي حَدُّهُ وَحُكْمُهُ بَعْدَ ثَلَاثِ آيَاتٍ) أَمْ يَرْتَفِعُ عَنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>