للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الْأَحْكَامِ، مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ، أَوْ فِي بَعْضِهَا، كُلٌّ بِحَسَبِ حَالِهِ، فَمَنْ أَعْرَضَ عَنِ الْحُكْمِ بِحَدِّ السَّرِقَةِ أَوِ الْقَذْفِ أَوِ الزِّنَا غَيْرَ مُذْعِنٍ لَهُ ; لِاسْتِقْبَاحِهِ إِيَّاهُ، وَتَفْضِيلِ غَيْرِهِ مِنْ أَوْضَاعِ الْبَشَرِ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ قَطْعًا، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى فَهُوَ ظَالِمٌ، إِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ إِضَاعَةُ الْحَقِّ، أَوْ تَرْكُ الْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ فِيهِ، وَإِلَّا فَهُوَ فَاسِقٌ فَقَطْ ; إِذْ لَفَظُ الْفِسْقِ أَعَمُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، فَكُلُّ كَافِرٍ وَكُلُّ ظَالِمٍ فَاسِقٌ، وَلَا عَكْسَ، وَحُكْمُ اللهِ الْعَامُّ - الْمُطْلَقُ الشَّامِلُ لِمَا وَرَدَ فِيهِ النَّصُّ وَلِغَيْرِهِ مِمَّا يُعْلَمُ بِالِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ هُوَ الْعَدْلُ، فَحَيْثُمَا وُجِدَ الْعَدْلُ فَهُنَاكَ حُكْمُ اللهِ كَمَا قَالَ أَحَدُ الْأَعْلَامِ.

وَلَكِنْ مَتَى وُجِدَ النَّصُّ الْقَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلَالَةِ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا عَارَضَهُ نَصٌّ آخَرُ اقْتَضَى تَرْجِيحَهُ عَلَيْهِ كَنَصِّ رَفْعِ الْحَرَجِ فِي بَابِ الضَّرُورَاتِ. وَقَدْ كَانَ مَوْلَوِيُّ نُورُ الدِّينِ مُفْتِي بِنْجَابَ مِنَ الْهِنْدِ، سَأَلَ شَيْخَنَا الْأُسْتَاذَ الْإِمَامَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ أَسْئِلَةٍ، مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْحُكْمِ بِالْقَوَانِينِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ، فَحَوَّلَهَا إِلَيَّ الْأُسْتَاذُ لِأُجِيبَ عَنْهَا، كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فِي أَمْثَالِهَا أَحْيَانًا، وَهَذَا نَصُّ جَوَابِي عَنْ مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ بِالْقَوَانِينِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ فِي الْهِنْدِ، وَهُوَ الْفَتْوَى الْـ ٧٧ مِنْ فَتَاوَى الْمُجَلَّدِ السَّابِعِ مِنَ الْمَنَارِ.

(الْحُكْمُ بِالْقَوَانِينِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ فِي الْهِنْدِ) (س ٧٧) وَمِنْهُ: أَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الْمُسْتَخْدَمِ عِنْدَ الْإِنْكِلِيزِ الْحُكْمُ بِالْقَوَانِينِ الْإِنْكِلِيزِيَّةِ، وَفِيهَا الْحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ؟ (ج) إِنَّ هَذَا السُّؤَالَ يَتَضَمَّنُ مَسَائِلَ مِنْ أَكْبَرِ مُشْكِلَاتِ هَذَا الْعَصْرِ؛ كَحُكْمِ الْمُؤَلِّفِينَ لِلْقَوَانِينِ وَوَاضِعِيهَا لِحُكُومَاتِهِمْ، وَحُكْمِ الْحَاكِمَيْنِ بِهَا، وَالْفَرْقِ بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ فِيهَا، وَإِنَّنَا نَرَى كَثِيرِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَدَيِّنِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ قُضَاةَ الْمَحَاكِمِ الْأَهْلِيَّةِ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ بِالْقَانُونِ كُفَّارٌ ; أَخْذًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) وَيَسْتَلْزِمُ الْحُكْمُ بِتَكْفِيرِ الْقَاضِي الْحَاكِمِ بِالْقَانُونِ تَكْفِيرَ الْأُمَرَاءِ وَالسَّلَاطِينِ الْوَاضِعِينَ لِلْقَوَانِينِ ; فَإِنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا أَلَّفُوهَا بِمَعَارِفِهِمْ، فَإِنَّهَا وُضِعَتْ بِإِذْنِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ يُوَلُّونَ الْحُكَّامَ لِيَحْكُمُوا بِهَا، وَيَقُولُ الْحَاكِمُ مِنْ هَؤُلَاءِ: أَحْكُمُ بِاسْمِ الْأَمِيرِ فُلَانٍ ; لِأَنَّنِي نَائِبٌ عَنْهُ بِإِذْنِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْأَمِيرِ لَفْظَ (الشَّارِعِ) .

أَمَّا ظَاهِرُ الْآيَةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الْمَشْهُورِينَ، بَلْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ قَطُّ، فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يَتَنَاوَلُ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ مُطْلَقًا؛ سَوَاءٌ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى أَمْ لَا، وَهَذَا لَا يُكَفِّرُهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ الْفُسَّاقَ بِالْمَعَاصِي، وَمِنْهَا الْحُكْمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي الْآيَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالْيَهُودِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>