الرَّافِضَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَمَنْ شَايَعَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُمُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ، فَقَلَبُوا الْمَوْضُوعَ، وَلَكِنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ لَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ، هَذِهِ دَسِيسَةٌ مِنْ زَنَادِقَةِ الْفُرْسِ وَسَاسَتِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ الِانْتِقَامَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ; لِفَتْحِهِمَا بِلَادَهُمْ، وَإِزَالَتِهِمَا لِمُلْكِهِمْ، وَخِيَارُ مُسْلِمِي الْفُرْسِ نَصَرُوا الْإِسْلَامَ فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ إِذَا جُعِلَتْ لِعُمُومِ مَنْ تَتَحَقَّقُ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّفَاتُ.
وَرَوَى أَهْلُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ: " إِنَّهُمْ قَوْمُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ "، وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنَ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَالْأَشْعَرِيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: هُمْ أَهْلُ سَبَأٍ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: " هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ مِنَ السَّكُونِ، ثُمَّ التُّجِيبِ ".
وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، لِلْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ. قَالَ: اللهُ تَعَالَى وَعَدَ بِأَنْ يَأْتِيَ بِخَيْرٍ مِنَ الْمُرْتَدِّينَ بَدَلًا مِنْهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ الْمُرْتَدِّينَ، وَرَأَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي صِدْقِ الْوَعْدِ أَنْ يُقَاتِلُوا وَلَوْ غَيْرَ الْمُرْتَدِّينَ، وَأَنَّ مَجِيءَ الْأَشْعَرِيِّينَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ كَانَ مَوْقِعُهُ مِنَ الْإِسْلَامِ أَحْسَنَ مَوْقِعٍ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الْآيَةَ تَصْدُقُ فِي كُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِمَضْمُونِهَا، وَمَنْ أَشَارَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ قَاتَلُوا الْمُرْتَدِّينَ هُمْ أَهْلُهَا بِالْأَوْلَى.
أَمَّا الَّذِينَ ارْتَدُّوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ فَكَثِيرُونَ، وَقَاتَلَهُمْ كَثِيرُونَ، فَكَانَ
كُلُّ مُفَسِّرٍ يَذْكُرُ قَوْمًا مِمَّنْ حَارَبُوا الْمُرْتَدِينَ، وَيَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَيْهِمْ لِمُرَجِّحٍ مَا، فَقَدْ رَوَى أَهْلُ السِّيَرِ وَالتَّارِيخِ أَنَّهُ قَدِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ إِحْدَى عَشْرَةَ فِرْقَةً ; ثَلَاثٌ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْأُولَى) : بَنُو مُدْلِجٍ، وَرَئِيسُهُمْ ذُو الْخِمَارِ ; وَهُوَ الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ، كَانَ كَاهِنًا تَنَبَّأَ بِالْيَمَنِ، وَاسْتَوْلَى عَلَى بِلَادِهِ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا عُمَّالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَتَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَإِلَى سَادَاتِ الْيَمَنِ، فَأَهْلَكَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيِّ ; بَيَّتَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ لَيْلَةَ قُتِلَ، فَسُّرَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَقُبِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَدِ، وَأَتَى خَبَرُهُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
(الثَّانِيَةُ) : بَنُو حَنِيفَةَ قَوْمُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ بْنِ حَبِيبٍ، تَنَبَّأَ وَكَتَبَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللهِ إِلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ. سَلَامٌ عَلَيْكَ. أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي قَدْ أُشْرِكْتُ فِي الْأَمْرِ مَعَكَ، وَإِنَّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ. فَقَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولَانِ لَهُ بِذَلِكَ، فَحِينَ قَرَأَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute