للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْقُرْآنِ فِي بَعْضِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ، ثُمَّ صَارَ الْكَثِيرُونَ مِنْهُمْ يُقَلِّدُونَ الْإِفْرِنْجَ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْخُطُوطِ تَحْتَ الْكَلَامِ الَّذِي يُرِيدُونَ التَّنْبِيهَ عَلَيْهِ بِتَمْيِيزِهِ.

وَقَدْ تَجَرَّأَ بَعْضُ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَى دَعْوَى وُجُودِ الْغَلَطِ النَّحْوِيِّ فِي الْقُرْآنِ! وَعَدَّ رَفْعَ الصَّابِئِينَ هُنَا مِنْ هَذَا الْغَلَطِ! وَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ السَّخْفِ وَالْجَهْلِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ هَذِهِ الْجُرْأَةُ مِنَ الظَّاهِرِ الْمُتَبَادَرِ مِنْ قَوَاعِدِ النَّحْوِ مَعَ جَهْلٍ أَوْ تَجَاهُلِ أَنَّ النَّحْوَ اسْتُنْبِطَ مِنَ اللُّغَةِ، وَلَمْ تُسْتَنْبَطِ اللُّغَةُ مِنْهُ، وَأَنَّ قَوَاعِدَهُ إِذَا قَصُرَتْ عَنِ الْإِحَاطَةِ بِبَعْضِ مَا ثَبَتَ عَنِ الْعَرَبِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لِقُصُورٍ فِيهَا، وَأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ نَقْلُهُ عَنِ الْعَرَبِ فَهُوَ عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ، وَلَا يُنْسَبُ إِلَى الْعَرَبِ الْغَلَطُ فِي الْأَلْفَاظِ، وَلَكِنْ قَدْ يَغْلَطُونَ فِي الْمَعَانِي، وَلَمْ تُوجَدْ لُغَةٌ مِنْ لُغَاتِ الْبَشَرِ دُفْعَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا تَتَرَقَّى اللُّغَاتُ وَتَتَّسِعُ بِالتَّدْرِيجِ، وَلَمْ يَكُنِ التَّجْدِيدُ فِي مُفْرَدَاتِهَا وَمُرَكَّبَاتِهَا، وَالتَّصَرُّفُ فِي أَسَالِيبِهَا وَمُشْتَقَّاتِهَا بِالتَّشَاوُرِ وَالتَّوَاطُؤِ بَيْنَ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأُمَّةِ وَلَا بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ مِنْهَا - إِلَّا مَا يَحْصُلُ فِي بَعْضِ الْمَجَامِعِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ عِنْدَ بَعْضِ الْإِفْرِنْجِ فِي هَذَا الْعَصْرِ - وَإِنَّمَا كَانَ التَّصَرُّفُ وَالتَّجْدِيدُ مِنْ عَمَلِ الْأَفْرَادِ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ يَشْتَهِرُونَ بِالْفَصَاحَةِ ; كَالْخُطَبَاءِ وَالشُّعَرَاءِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمُعْتَرِضُ ضَعِيفَ الْعَقْلِ أَوْ قَوِيَّ التَّعَصُّبِ عَلَى الْإِسْلَامِ لَنَهَاهُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ رِوَايَةُ هَذَا اللَّفْظِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَيْهِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَكَيْفَ وَقَدْ تَلَقَّتْهُ الْعَرَبُ بِالْقَبُولِ وَالِاسْتِحْسَانِ، فَكَانَ إِجْمَاعًا عَلَيْهِ أَقْوَى مِنْ إِقْرَارِ الْأَنْدِيَةِ الْأَدَبِيَّةِ (الْأَكَادِمِيَّاتِ) الْآنَ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْهَاهُ مِثْلُ ذَلِكَ نَقْلُهُ عَنْ أَيِّ بَدَوِيٍّ مِنْ صَعَالِيكِ الْعَرَبِ، وَلَوْ بِرِوَايَةِ الْآحَادِ. وَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ يُعِدُّ ذَلِكَ الْمُتَعَصِّبُ الْأَعْمَى مُبْتَكَرَاتِ مِثْلِ شِكْسِبِيرَ فِي الْإِنْكِلِيزِيَّةِ وَفِيكْتُورْ هِيغُو بِالْفَرَنْسِيَّةِ مِنَ اللَّحْنِ وَالْغَلَطِ فِيهَا؟

وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّابِئِينَ هُنَا عَلَى النَّصَارَى فَمَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ آمَنُوا هُنَا الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ ادَّعَوُا الْإِيمَانَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ يَرَى أَنَّ نُكْتَتَهُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِالتَّرَقِّي مِنَ الْجَدِيرِ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ - إِذَا صَحَّ إِيمَانُهُ وَدُعِّمَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ - إِلَى الْأَجْدَرِ بِذَلِكَ، وَيَجْعَلُ النَّصَارَى أَقْرَبَهَا إِلَى الْقَبُولِ، وَيَلِيهِمْ عِنْدَهُ الصَّابِئُونَ فَالْيَهُودُ فَالْمُنَافِقُونَ. وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْعَطْفَ بِالْوَاوِ لَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ، بَلْ مُطْلَقَ الْجَمْعِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَكَلُّفِ النُّكْتَةِ لِلتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>