للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَحْنُ النَّصَارَى آلَ عِيسَى الْمُنْتَمِي حَسَبَ التَّأَنُّسِ لِلْبَتُولَةِ (؟) مَرْيَمِ فَهُوَ الْإِلَهُ ابْنُ الْإِلَهِ وَرُوحُهُ فَثَلَاثَةٌ فِي وَاحِدٍ لَمْ تُقْسَمِ لِلْآبِ لَاهُوتُ ابْنِهِ وَكَذَا ابْنُهُ وَكَذَا هُمَا وَالرُّوحُ تَحْتَ تَقَنُّمِ كَالشَّمْسِ يَظْهَرُ جِرْمُهَا بِشُعَاعِهَا وَبِحَرِّهَا وَالْكُلُّ شَمْسٌ فَاعْلَمِ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ رَبَّهُمْ جَوْهَرٌ لَهُ أَعْرَاضٌ كَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ، وَلَكِنَّ الْعَرَضَ لَيْسَ عَيْنَ الذَّاتِ، فَحَرَارَةُ الشَّمْسِ لَيْسَتْ شَمْسًا، وَلَا هِيَ عَيْنَ الْجِرْمِ، وَلَا عَيْنَ الضَّوْءِ، فَإِذًا لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ عَيْنَ الْآبِ! وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ إِظْهَارِ الْحَقِّ الْحِكَايَةَ الْآتِيَةَ فِي بَيَانِ تَخَبُّطِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ:

" نُقِلَ أَنَّهُ تَنَصَّرَ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ، وَعَلَّمَهُمْ بَعْضُ الْقِسِّيسِينَ الْعَقَائِدَ الضَّرُورِيَّةَ، سِيَّمَا عَقِيدَةَ التَّثْلِيثِ. وَكَانُوا فِي خِدْمَتِهِ، فَجَاءَ مُحِبٌّ مِنْ أَحِبَّاءِ هَذَا الْقِسِّيسِ، وَسَأَلَهُ عَمَّنْ تَنَصَّرَ، فَقَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ تَنَصَّرُوا، فَسَأَلَهُ هَذَا الْمُحِبُّ: هَلْ تَعَلَّمُوا شَيْئًا مِنَ الْعَقَائِدِ الضَّرُورِيَّةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَطَلَبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لِيُرِيَ مُحِبَّهُ، فَسَأَلَهُ عَنْ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ فَقَالَ: إِنَّكَ عَلَّمْتَنِي أَنَّ الْآلِهَةَ ثَلَاثَةٌ ; أَحَدُهُمُ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ، وَالثَّانِي الَّذِي تُوُلِّدَ مِنْ بَطْنِ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ، وَالثَّالِثُ الَّذِي نَزَلَ فِي صُورَةِ الْحَمَامَةِ عَلَى الْإِلَهِ الثَّانِي بَعْدَ مَا صَارَ ابْنَ ثَلَاثِينَ سَنَةً. فَغَضِبَ الْقِسِّيسُ وَطَرَدَهُ، وَقَالَ هَذَا مَجْهُولٌ، ثُمَّ طَلَبَ الْآخَرَ مِنْهُمْ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: إِنَّكَ عَلَّمْتَنِي أَنَّ الْآلِهَةَ كَانُوا ثَلَاثَةً، وَصُلِبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ; فَالْبَاقِي إِلَهَانِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِ الْقِسِّيسُ أَيْضًا وَطَرْدَهُ، ثُمَّ طَلَبَ الثَّالِثَ، وَكَانَ ذَكِيًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَحَرِيصًا فِي حِفْظِ الْعَقَائِدِ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا مَوْلَايَ حَفِظْتُ مَا عَلَّمْتَنِي حِفْظًا جَيِّدًا، وَفَهِمْتُ فَهْمًا كَامِلًا بِفَضْلِ السَّيِّدِ الْمَسِيحِ أَنَّ الْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ، وَالثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ، وَصُلِبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَمَاتَ ; فَمَاتَ الْكُلُّ لِأَجْلِ الِاتِّحَادِ، وَلَا إِلَهَ الْآنَ، وَإِلَّا يَلْزَمُ نَفْيُ الِاتِّحَادَ.

أَقُولُ: لَا تَقْصِيرَ لِلْمَسْئُولِينَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ يَخْبِطُ فِيهَا الْجُهَلَاءُ هَكَذَا، وَيَتَحَيَّرُ عُلَمَاؤُهُمْ، وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّا نَعْتَقِدُ وَلَا نَفْهَمُ، وَيَعْجَزُونَ عَنْ تَصْوِيرِهَا وَبَيَانِهَا اهـ.

(وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لِيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ قَوْلِهِمْ بِالتَّثْلِيثِ وَيَتْرُكُوهُ، وَيَعْتَصِمُوا بِعُرْوَةِ التَّوْحِيدِ الْوُثْقَى وَيَعْتَقِدُوهُ، فَوَاللهِ لَيُصِيبَنَّهُمْ بِكُفْرِهِمْ عَذَابٌ شَدِيدُ الْأَلَمِ فِي الْآخِرَةِ، فَوَضَعَ (الَّذِينَ كَفَرُوا) مَوْضِعَ الضَّمِيرِ ; لِيُثْبِتَ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ كُفْرٌ بِاللهِ، وَأَنَّ الْكُفْرَ سَبَبُ الْعَذَابِ الَّذِي تَوَعَّدَهُمْ بِهِ، وَيُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا الْعَذَابَ لَا يَمَسُّ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ خَاصَّةً بِالتَّثْلِيثِ أَوْ غَيْرِهِ، دُونَ مَنْ تَابَ وَأَنَابَ إِلَى اللهِ تَعَالَى ; إِذْ لَيْسَ عَذَابُ الْآخِرَةِ كَعَذَابِ الْأُمَمِ فِي الدُّنْيَا، يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُذْنِبُونَ وَغَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: إِنَّ " مِنْ " بَيَانِيَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>