أَوَاقٍ أَوْ تِسْعَ أَوَاقٍ بِالشَّامِيِّ وَيُطْعِمَ مَعَ ذَلِكَ إِدَامَهَا كَمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الشَّامِ فِي إِعْطَاءِ الْجِرَايَاتِ خُبْزًا وَإِدَامًا، وَإِذَا كَفَّرَ يَمِينَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا إِذَا قَصَدَ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ مِثْلَ أَنْ يُنْجِزَ الطَّلَاقَ فَيُطَلِّقُهَا وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فَلِذَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَهَا، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لِلطَّلَاقِ إِذَا فَعَلَتْ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ فَيَقُولُ لَهَا: إِنْ فَعَلْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَصْدُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إِذَا فَعَلَتْهُ، فَهَذَا مُطْلَقٌ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ عِنْدَ السَّلَفِ وَجَمَاهِيرِ الْخَلَفِ بِخِلَافِ مَنْ قَصْدُهُ أَنْ يَنْهَاهَا وَيَزْجُرَهَا بِالْيَمِينِ، وَلَوْ فَعَلَتْ ذَلِكَ الَّذِي يَكْرَهُهُ لَمْ يَجُزْ (لَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ) أَنْ يُطَلِّقَهَا بَلْ هُوَ مُرِيدٌ لَهَا وَإِنْ فَعَلَتْهُ، لَكِنَّهُ قَصَدَ الْيَمِينَ لِمَنْعِهَا عَنِ الْفِعْلِ لَا مُرِيدًا أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ إِنْ فَعَلَتْهُ فَهَذَا حَلِفٌ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، بَلْ يُجْزِئُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَمَا تَقَدَّمَ " اه.
(٤ مَدَارِكُ الْفُقَهَاءِ فِي مِقْدَارِ الْكَفَّارَةِ مِنَ الطَّعَامِ) .
هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ فَتَاوَى ابْنِ تَيْمِيَةَ، وَمُلَخَّصُهَا أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ جَعَلَ مِقْدَارَ مَا يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُقَدَّرًا بِالشَّرْعِ، وَبَعْضُهُمْ جَعَلَهُ مُقَدَّرًا بِالْعُرْفِ، وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ رَأَوْا أَنَّهُ يُقَدَّرُ بِالشَّرْعِ، قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ: يُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا مَنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مَنْ بُرٍّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ: يُطْعِمُ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ رُبْعَ صَاعِ بُرٍّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَمِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ: يَكْفِي لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَاحِدٌ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ. أَقُولُ: وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ (وَالْمُدُّ حَفْنَةٌ مِنْ كَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ) فَالشَّافِعِيُّ يُوجِبُ نِصْفَ مَا أَوْجَبَهُ أَحْمَدُ، وَهَذَا يُوجِبُ نِصْفَ مَا أَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ شَرْعِيٌّ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ كَمَا عَلِمْتُ، وَإِنَّمَا
اسْتُنْبِطَ مِنَ الْآثَارِ وَالْعَمَلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ.
قَالَ: " وَالْقَوْلُ الثَّانِي مُقَدَّرٌ بِالْعُرْفِ لَا بِالشَّرْعِ، فَيُطْعِمُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُونَ أَهْلِيهِمْ قَدْرًا وَنَوْعًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ كَانَ مَالِكٌ يَرَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ أَنَّ الْمُدَّ يُجْزِئُ فِي الْمَدِينَةِ قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْبُلْدَانُ فَإِنَّ لَهُمْ عَيْشًا غَيْرَ عَيْشِنَا فَأَرَى أَنْ يُكَّفِرُوا بِالْوَسَطِ مِنْ عَيْشِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُدَ وَأَصْحَابِهِ مُطْلَقًا.
" وَالْمَنْقُولُ مِنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ هَذَا الْقَوْلُ، وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ الْأَوْسَطُ: خُبْزٌ وَلَبَنٌ، خُبْزٌ وَسَمْنٌ، وَخُبْزٌ وَتَمْرٌ، وَالْأَعْلَى: خُبْزٌ وَلَحْمٌ، وَقَدْ بَسَطْنَا الْآثَارَ عَنْهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسَّنَةُ وَالِاعْتِبَارُ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute