للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَانَ أَشَدَّ مِنْ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ، وَكَانُوا قَدِ اجْتَهَدُوا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ، لِأَنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ فِيهَا ظَنِّيَّةٌ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، كَمَا بَيَّنَاهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا جَاءَ الْحَقُّ الْيَقِينُ وَالتَّحْرِيمُ الْجَازِمُ انْتَهَوْا وَأَهْرَقُوا جَمِيعَ مَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْخُمُورِ فِي الشَّوَارِعِ وَالْأَزِقَّةِ حَتَّى ظَلَّ أَثَرُهَا وَرِيحُهَا زَمَنًا طَوِيلًا، وَقَدْ قَدَحَ بَعْضُ أَذْكِيَائِهِمْ زِنَادَ الْفِكْرِ عَسَى أَنْ يَهْتَدُوا إِلَى شَيْءٍ يَجِدُونَ فِيهِ بَعْضَ الرُّخْصَةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنَّ مَنْ قَدْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، كَسَيِّدِ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةَ عَمِّ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ مَاتُوا وَهُمْ دَائِبُونَ عَلَى شُرْبِهَا، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ شَيْئًا، لِأَنَّ اللهَ لَا يُكَلِّفُ النَّاسَ الْعَمَلَ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ قَبْلَ نُزُولِهَا وَهَاكَ بَعْضَ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ زَائِدًا عَلَى مَا أَوْرَدْنَا مِنْ قَبْلُ:

رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " قَامَ رَسُولُ اللهِ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، إِنَّ اللهَ يُعَرِّضُ عَنِ الْخَمْرِ تَعْرِيضًا لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ سَيَنْزِلُ فِيهَا أَمْرٌ " أَيْ قَاطِعٌ ثُمَّ قَامَ فَقَالَ: " يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ إِنَّ اللهَ قَدْ أَنْزَلَ إِلَيَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ، فَمَنْ كَتَبَ مِنْكُمْ هَذِهِ الْآيَةَ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْهَا ".

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِ اللهَ عَرَّضَ بِالْخَمْرِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلْيَبِعْهُ وَلِيَنْتَفِعْ بِهِ، فَلَمْ نَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى قَالَ: إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ، قَالَ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا فَسَفَكُوهَا فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الرَّبِيعِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْبَقَرَةِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ رَبَّكُمْ يُقَدِّمُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ النِّسَاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنْ رَبَّكُمْ يُقَرِّبُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ " ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الْمَائِدَةِ فَحُرِّمَتِ الْخَمْرُ عِنْدَ ذَلِكَ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) (٢: ٢١٩) الْآيَةَ فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَشْرَبُهَا لِمَنَافِعِهَا وَقَالَ آخَرُونَ: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ فِيهِ إِثْمٌ ثُمَّ نَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ

وَأَنْتُمْ سُكَارَى) (٤: ٣٤) الْآيَةَ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: نَشْرَبُهَا وَنَجْلِسُ فِي بُيُوتِنَا، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) الْآيَةَ، فَنَهَاهُمْ فَانْتَهَوْا، وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ عَنْ تَفْسِيرِ آيَةِ النِّسَاءِ أَنَّهُ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: " إِنَّ اللهَ قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>