للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْعِنَبِ وَهُوَ أَقَلُّهَا ضُرًّا وَشَرًّا مَعَ نَقْلِ الْقُرْآنِ بِالتَّوَاتُرِ، وَحِفْظِ السُّنَّةِ وَسِيرَةِ أَهْلِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ بِضَبْطٍ وَإِتْقَانٍ لَمْ يَتَّفِقْ مِثْلُهُ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ فِي نَقْلِ دِينِهَا أَوْ تَارِيخِهَا، فَهَلْ يَبْعُدُ أَنْ يَدَّعِيَ أَهْلُ الْكِتَابِ مِثْلَ هَذِهِ الدَّعْوَى وَيَنْسُبُونَهَا إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِعِصْمَتِهِمْ؟

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّنَا إِذَا سَلَّمْنَا مَا يَنْقُلُونَهُ فِي الْعَهْدَيْنِ الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى حِلِّ الْخَمْرِ وَعَدَمِ التَّشْدِيدِ إِلَّا فِي السُّكْرِ، نَقُولُ (أَوَّلًا) إِنَّ هَذَا التَّحْرِيمَ مِنْ إِكْمَالِ الدِّينِ بِالْإِسْلَامِ، وَقَدْ مَهَّدَ الْأَنْبِيَاءُ لَهُ مِنْ قَبْلُ بِتَقْبِيحِ السُّكْرِ وَذَمِّهِ، وَلَمْ يُشَدِّدُوا فِي سَدِّ ذَرِيعَتِهِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْقَلِيلِ مِنَ الْخَمْرِ لِمَا كَانَ مِنَ افْتِتَانِ الْبَشَرِ بِهَا وَمَنَافِعِهِمْ مِنْهَا، كَمَا فَعَلَ الْإِسْلَامُ فِي أَوَّلِ عَهْدِهِ. (وَثَانِيًا) إِنَّ اللهَ تَعَالَى مَا أَكْمَلَ دِينَهُ الْعَامَّ بِالْإِسْلَامِ إِلَّا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْبَشَرَ سَيَدْخُلُونَ فِي طَوْرٍ جَدِيدٍ تَتَضَاعَفُ فِيهِ مَفَاسِدُ السُّكْرِ، وَأَنَّ مَصْلَحَتَهُمْ وَخَيْرَهُمْ أَنْ يَتَسَلَّحَ الْمُؤْمِنُونَ بِأَقْوَى السِّلَاحِ الْأَدَبِيِّ لِاتِّقَاءِ شُرُورِ مَا يُسْتَحْدَثُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخُمُورِ الشَّدِيدَةِ الْفَتْكِ بِالْأَجْسَادِ وَالْأَرْوَاحِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ مِنْهَا شَيْءٌ فِي صُوَرِ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا سَدُّ ذَرِيعَةِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةِ بِتَحْرِيمِ قَلِيلِ الْخَمْرِ وَكَثِيرِهَا.

وَهَاكَ بَعْضُ مَا يُؤْثَرُ عَنْ كُتُبِهِمْ فِي ذَمِّهَا:

جَاءَ فِي نُبُوَّةِ أَشْعَيَا عَلَيْهِ السَّلَامُ (٥: ١١ وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتَّبِعُونَ الْمُسْكِرَ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْقِمَّةِ تُلْهِبُهُمُ الْخَمْرُ ١٢ وَصَارَ الْعُودُ وَالرَّبَابُ وَالدُّفُّ وَالنَّاسُ وَالْخَمْرُ وَلَائِمَهُمْ، وَإِلَى فِعْلِ الرَّبِّ يَنْظُرُونَ، وَعَمَلِ يَدَيْهِ لَا يَرَوْنَ ١٣ لِذَلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ وَعَامَّتُهُ يَابِسَيْنِ مِنَ الْعَطَشِ ١٤ لِذَلِكَ

وَسَعَّتِ الْهَاوِيَةُ نَفْسَهَا وَفَغَرَتْ فَاهَهَا بِلَا حَدٍ) يُشِيرُ إِلَى مَا اسْتَحَقُّوهُ بِذُنُوبِهِمْ تِلْكَ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

ثُمَّ قَالَ (٢٨: ١ وَيْلٌ لِإِكْلِيلِ فَخْرِ سُكَارَى أَفْرَايِمْ وَلِلزَّهْرِ الذَّابِلِ جَمَالُ بَهَائِهِ الَّذِي عَلَى رَأْسِ وَادِي سَمَائِنِ الْمَضْرُوبِينَ بِالْخَمْرِ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ ضَلُّوا بِالْخَمْرِ وَتَاهُوا بِالْمُسْكِرِ، الْكَاهِنُ وَالنَّبِيُّ تَرَنَّحَا بِالْمُسْكِرِ، ابْتَلَعَتْهُمَا الْخَمْرُ، تَاهَا مِنَ الْمُسْكِرِ، ضَلَّا فِي الرُّؤْيَا) وَاعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ عِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُوحًى إِلَيْهِ.

وَمِنْ شَوَاهِدَ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ بُولُسَ فِي رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ أَفْسِسْ (٥: ١٨ وَلَا تَسْكَرُوا بِالْخَمْرِ الَّذِي فِيهِ الْخَلَاعَةُ) وَنَهْيُهُ عَنْ مُخَالَطَةِ السِّكِّيرِ (١ كو ٥: ١١) وَجَزَاهُ بِأَنَّ السِّكِّيرِينَ لَا يَرِثُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ (غلاه: ٢١و ١ كو ٦: ٩، ١٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>