للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَافِعٍ وَقَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَلَا يُحْتَجُّ

بِحَدِيثِهِ، وَالْمَشْهُورُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ حِكَايَتِهِ، ثُمَّ أَوْرَدَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: " اجْتَنَبَ كُلَّ شَيٍّ يَنِشُّ " وَقَالَ: " الْمُسْكِرُ قَلِيلُهُ حَرَامٌ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ " وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَجْهُولٌ مَرَّةَ وَخَبَرُهُ مُنْكَرٌ.

أَقُولُ: طَالَمَا دَسَّ الْمُتَلَاعِبُونَ بِالرِّوَايَاتِ أَسْمَاءَ الْمَجْهُولِينَ فِي الْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ لِيُرَوِّجُوا بِهَا مَا يَفْتَرُونَهُ فَأَبْطَلَ رِجَالُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ دَسِيسَتَهُمْ وَلَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لِجَازَ الْقَوْلُ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرَابَ كَانَ قَدْ بَدَأَ فِيهِ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الْإِسْكَارِ فَكَسَرَهُ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسْكِرًا وَلَا يُمْكِنُ مُوَافَقَتُهُ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ إِلَّا بِهَذَا.

وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ نَحْوًا مِنْ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنِ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: " تَلَقَّتْ ثَقِيفٌ عُمَرَ بِشَرَابٍ فَدَعَا بِهِ فَلَمَّا قَرَّبَهُ إِلَى فِيهِ كَرِهَهُ فَدَعَا بِهِ فَكَسَرَهُ بِالْمَاءِ فَقَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا " ثُمَّ رَوَى عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيذُ الَّذِي قَدْ شَرِبَهُ عُمَرُ قَدْ تَخَلَّلَ (أَيْ صَارَ خَلًّا) وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْأَثَرَ فِي الْفَتْحِ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ وَفِيهِ أَنَّهُ قَطَّبَ وَجْهَهُ " وَقَالَ: قَالَ نَافِعٌ: وَاللهِ مَا قَطَّبَ عُمَرَ وَجْهَهُ لِأَجْلِ الْإِسْكَارِ حِينَ ذَاقَهُ، وَلَكِنَّهُ تَخَلَّلَ، وَعَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيذُ الَّذِي شَرِبَهُ عُمَرُ قَدْ تَخَلَّلَ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَعَنِ الْعُمَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا كَسَرَهُ بِالْمَاءِ لِشِدَّةِ حَلَاوَتِهِ، ثُمَّ جَمَعَ الْحَافِظُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حَالَتَيْنِ، وَأَنَّهُ لَمَّا قَطَّبَ كَانَ لِحُمُوضَتِهِ، وَلَمَّا لَمْ يُقَطِّبُ كَانَ لِحَلَاوَتِهِ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ: أَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ كَسْرِ النَّبِيذِ بِالْمَاءِ يَدُلُّ مَجْمُوعُهُ عَلَى أَنْ يُكْسَرَ إِذَا أَخَذَ فِي الِاشْتِدَادِ وَالتَّغَيُّرِ خَشْيَةَ أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا، فَأَمَّا إِذَا صَارَ مُسْكِرًا فَلَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا إِرَاقَتُهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، إِذْ لَا يُبَاحُ حِينَئِذٍ قَلِيلُهُ وَلَا كَثِيرُهُ، وَلَوْ أُزِيلَ تَأْثِيرُهُ بِالْمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالِاشْتِدَادِ الَّذِي وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ اشْتِدَادُ الْحُمُوضَةِ أَوِ الْحَلَاوَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَمِثْلُهُ الِاغْتِلَامُ.

وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِذَا خَشِيتُمْ مِنْ نَبِيذٍ شِدَّتَهُ فَاكْسِرُوهُ بِالْمَاءِ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَشْتَدَّ " انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ كُلُّ مَا وَرَدَ فِي الِاشْتِدَادِ عَلَى طَرِيقَةِ الْعَرَبِ فِي التَّغَيُّرِ بِالْفِعْلِ عَنْ قُرْبِ وُقُوعِهِ وَإِرَادَتِهِ.

وَمِنَ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ " اشْرَبُوا فِي الظُّرُوفِ وَلَا

تَسْكَرُوا " قَالَ النَّسَائِيُّ هَذِهِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ غَلَطَ فِيهِ أَبُو الْأَحْوَصِ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ سِمَاكٍ تَابَعَهُ عَلَيْهِ وَسِمَاكٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَكَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَخَطَّأَهُ فِيهِ أَحْمَدُ أَيْضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>