للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ وَاخْتَارَ عُمَرُ الثَّمَانِينَ بِمُوَافَقَتِهِ لِاجْتِهَادِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِتَشْبِيهِهِ بِحَدِّ قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الِاجْتِهَادَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا، قَالَ: " إِذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذِيَ وَإِذَا هَذِيَ افْتَرَى وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً " وَرَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ بِرِوَايَاتٍ فِيهَا مَقَالَاتٌ تُرَاجَعُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لِأَهْلِهِ، فَمِنْهَا يُعْرَفُ الصَّحِيحُ وَغَيْرُ الصَّحِيحِ لَا مِنْ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ الَّتِي يُورِدُ أَهْلُ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنْهَا مِمَّا يُقَوِّي مَذْهَبَهُ، وَيُضَعِّفُ مَذْهَبَ غَيْرِهِمْ.

(فَائِدَةٌ فِي الْمَشْرُوعِ مِنَ الْمُسَابَقَةِ وَالرِّمَايَةِ) .

ذَكَرْنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَيْسِرِ أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ فِي الْمُسَابَقَةِ جَائِزٌ شَرْعًا، وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ الْعَامَّةِ مِنْهُ أَنَّ مُسَابَقَةَ الْخَيْلِ فِي مِصْرَ وَغَيْرِهَا مِنْ ذَلِكَ الْجَائِزِ، وَمَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ، وَأَمَّا الْجَائِزُ شَرْعًا فَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَقَدِ اشْتُرِطَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاءِ وَهُوَ الْجُعْلُ الَّذِي يَكُونُ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ السَّابِقِ إِمَّا عَنِ الْإِمَامِ (أَيِ الْخَلِيفَةِ وَالسُّلْطَانِ) وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِمَّا مِنْ أَحَدِ الْمُتَسَابِقِينَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَالُ السَّبَقِ مِنْ

كُلٍّ مِنْهُمَا، وَإِذَا دَخَلَ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ اشْتَرَطَ أَيْضًا أَلَّا يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا، وَبِهَذِهِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ مِنْ مَعْنَى الْمَيْسِرِ وَالْقِمَارِ، وَمَا اشْتَرَطَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ كَوْنِ الْمُسَابَقَةِ مَعْرُوفَةَ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَكَوْنِ الْجُعْلِ وَالْمَسَافَةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا مَعْلُومَيْنِ وَكَوْنِ الْفَرَسَيْنِ أَوِ الْأَفْرَاسِ مُعَيَّنَةً، وَكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَسْبِقَ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَشْتَرِطُهُ الْمُقَامِرُونَ أَيْضًا وَيَزِيدُونَ عَلَيْهِ.

رَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَ بِالْخَيْلِ وَرَاهَنَ " وَفِي لَفْظٍ: " سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَأَعْطَى السَّابِقَ " وَرَوَى بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقِيلَ لَهُ: أَكُنْتُمْ تُرَاهِنُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَانَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَاهِنُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاللهِ لَقَدْ رَاهَنَ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ سَبْحَةُ فَسَبَقَ النَّاسَ فَبَهَشَ لِذَلِكَ وَأَعْجَبَهُ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَالْحَاكِمُ عَنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ " وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنُ مَاجَهْ " أَوْ نَصْلٍ " صَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالنَّصْلِ السِّهَامُ، وَعَبَّرَ عَنِ السَّهْمِ بِحَدِيدَتِهِ الْجَارِحَةِ، يُقَاسُ عَلَى الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ الرَّمْيُ بِبُنْدُقِ الرَّصَاصِ وَقَذَائِفِ الْمَدَافِعِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيُّ الْمُسَابَقَةَ عَلَى الْأَقْدَامِ بِعِوَضٍ، وَهَذَا مِنَ الرِّيَاضَةِ الْقَوِيَّةِ لِلْأَبْدَانِ عَلَى الْقِتَالِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>