للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَنَا وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، وَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: وَاللهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ " هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوهُ " وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ " هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَحَدٌ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا " وَرِوَايَةُ التَّأْنِيثِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا صَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ كَانَ أَتَانًا لَا حِمَارًا، فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا ". . . إِلَخْ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ مُتَعَدِّدَةً خَلَطَ الرُّوَاةُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ خُزَيْمَةَ " وَأَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنِّي إِنَّمَا صِدْتُهُ لَكَ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَلَمْ يَأْكُلْ " وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَقَدِ اسْتَغْرَبُوا هَذَهِ الزِّيَادَةَ وَشَكُّوا فِي كَوْنِهَا مَحْفُوظَةً، لِمُخَالَفَتِهَا رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ، وَحَاوَلَ بَعْضُهُمُ الْجَمْعَ بِكَوْنِهِ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ اصْطَادَهُ لَهُ وَامْتَنَعَ بِهِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ، وَهُوَ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ، وَلَا يَظْهَرُ الْجَمْعُ إِلَّا إِذَا ثَبَتَ أَوِ احْتَمَلَ تَعَدُّدَ الْوَاقِعَةِ، وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ شُذُوذٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ قَالَ: " خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ أَصْحَابِي وَلَمْ أُحْرِمْ فَرَأَيْتُ حِمَارًا فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ فَاصْطَدْتُهُ، فَذَكَرْتُ شَأْنَهُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَحْرَمْتُ وَأَنِّي إِنَّمَا اصْطَدْتُهُ لَكَ إِلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ " وَاسْتَشْكَلُوهُ بِأَنَّهُ كَيْفَ جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِحْرَامَ وَهُوَ مَعَهُمْ، وَالصَّوَابُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَجْهُهُ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ مَخَافَةَ الْعَدْوِ، فَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لِتَعْبِيرِهِ عَنْ خُرُوجِهِ وَعَدَمِ إِحْرَامِهِ هُنَا وَجْهٌ ظَاهِرٌ.

وَرَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ " أَنَّهُ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ، أَوْ بِوَدَّانَ كِلَاهُمَا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ: إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ ".

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>