للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِثْلَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ، وَرَوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ مِنْهَا بِتَغْلِيظٍ سَاءَكُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنِ انْتَظَرُوا فَإِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَجَدْتُمْ تِبْيَانَهُ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ثَعْلَبَةَ وَسَتَعْلَمُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ.

وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي بَيَانِ هَذَا الْوَجْهِ: " أَيْ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ تَسْتَأْنِفُونَ السُّؤَالَ عَنْهَا فَلَعَلَّهُ قَدْ يَنْزِلُ بِسُؤَالِكُمْ تَشْدِيدٌ أَوْ تَضْيِيقٌ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: " أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ " وَلَكِنْ إِذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا مُجْمَلَةً فَسَأَلْتُمْ عَنْ بَيَانِهَا بُيِّنَتْ لَكُمْ حِينَئِذٍ لِاحْتِيَاجِكُمْ إِلَيْهَا (عَفَا اللهُ عَنْهَا) أَيْ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ فَاسْكُتُوا أَنْتُمْ عَنْهَا كَمَا سَكَتَ عَنْهَا، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ " وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَيْضًا: " إِنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا ".

أَقُولُ: أَمَّا حَدِيثُ: " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: " دَعُونِي " فَهُوَ فِي

الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَبُهُ السُّؤَالُ عَنِ الْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَقَدْ عَزَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ إِلَى الصَّحِيحِ أَيْضًا وَلَمْ يُسْنِدْهُ وَلَا أَشَارَ إِلَى مَنْ خَرَّجَهُ، وَهُوَ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَأَوْرَدَهُ صَاحِبُ مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ عَنْهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِهِ الِاعْتِصَامِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ: وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا ".

وَرُوِّينَاهُ فِي الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ عَنْهُ بِلَفْظِ: " إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً بِكُمْ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا " قَالَ النَّوَوِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَثَمَّ وَجْهٌ ثَانٍ فِي مَعْنَى الْجُمْلَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ تَسْأَلُوا عَنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَعَهْدِ التَّشْرِيعِ يُظْهِرْهَا اللهُ لَكُمْ إِنْ كَانَتِ اعْتِقَادِيَّةً بِبَيَانِ مَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ فِيهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>