للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَدْيَانِ الْأُخْرَى، مَعَ تَأْثِيرِ الْوِرَاثَةِ وَالتَّقْلِيدِ مِنْ قَبِيلِ مَا يُسَمَّى فِي الْعِلْمِ الطَّبِيعِيِّ: بِحَرَكَةِ الِاسْتِمْرَارِ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ عَلَى حِفْظِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَشْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ الْعِلْمُ وَالدِّينُ فِي أَوْجِ الْقُوَّةِ بِحَيَاةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ.

كَانَ جَمِيعُ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ صَارَ أَخًا لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّ أُمَّتَهُ هِيَ الْأُمَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ، لَا الْعَرَبِيَّةُ وَلَا الْفَارِسِيَّةُ وَلَا الْقِبْطِيَّةُ وَلَا التُّرْكِيَّةُ. . . . كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (٢١: ٩٢) وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنَّ وَحْدَةَ الْأُمَّةِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِوَحْدَةِ اللُّغَةِ، وَلَا لُغَةَ تَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْبُطُهُمْ إِلَّا لُغَةُ الدِّينِ الَّذِي جَعَلَهُمْ بِنِعْمَةِ اللهِ إِخْوَانًا، وَهِيَ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي لَمْ تَعُدْ خَاصَّةً بِالْجِنْسِ الْعَرَبِيِّ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الْأَجْنَاسِ - الْمُعَبَّرِ عَنْهُمْ فِي

اصْطِلَاحِ الْمَنْطِقِ بِالْأَصْنَافِ - مِنْ جِهَةِ أَنْسَابِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ.

وَلِهَذَا كَانَ يَجْتَهِدُ مُسْلِمُو الْعَجَمِ فِي خِدْمَةِ هَذِهِ اللُّغَةِ كَمَا يَجْتَهِدُ مُسْلِمُو الْعَرَبِ بِلَا فَرْقٍ، وَيَعُدُّونَهَا لُغَتَهُمْ؛ لِأَنَّهَا لُغَةُ الْقُرْآنِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا حُجَّتُهُ: وَهُمْ مِنْ أُمَّةِ الْقُرْآنِ كَالْعَرَبِ بِلَا فَرْقٍ. قَالَ تَعَالَى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ مَرْدَوَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ - قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ - فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ".

ثُمَّ حَدَثَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَصَبِيَّةُ الْجِنْسِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي حَرَّمَهَا الْإِسْلَامُ وَشَدَّدَ فِي مَنْعِهَا، بَعْدَ أَنْ ضَعُفَ الْعِلْمُ وَالدِّينُ فِي الْمُسْلِمِينَ بِضَعْفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِمْ، حَتَّى قَامَ بَعْضُ الْأَعَاجِمِ فِي هَذِهِ السِّنِينَ الْأَخِيرَةِ يَدْعُونَ قَوْمَهُمْ إِلَى تَرْجَمَةِ الْقُرْآنِ بِلُغَتِهِمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ. زَاعِمًا أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ لَيْسَ لَهُ لُغَةٌ. وَغَلَا بَعْضُ هَؤُلَاءِ فِي بُغْضِ الْعَرَبِيَّةِ فَدَعَا مُسْلِمِي قَوْمِهِ إِلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ بِلُغَتِهِمْ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْعَمَلِ عَلَى إِقَامَةِ هَذِهِ الشَّعَائِرِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِلُغَةِ الْإِسْلَامِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى الْيَوْمِ، وَكَانَ مِنْ عَاقِبَةِ هَذَا الضَّعْفِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَنَّ بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِ الْأَعَاجِمِ - كَجَاوَةَ، الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ بِالدِّينِ وَلُغَتِهِ، الْقَادِرُونَ عَلَى دَفْعِ الشُّبَهِ عَنِ الْقُرْآنِ - صَارُوا يَرْتَدُّونَ عَنِ الْإِسْلَامِ لِإِيضَاعِ دُعَاةِ النَّصْرَانِيَّةِ خِلَالَهُمْ، وَسُؤَالِهِمُ الْفِتْنَةَ بِالتَّشْكِيكِ فِي الْقُرْآنِ وَالطَّعْنِ فِيهِ. وَأَيْنَ مَنْ يَفْهَمُهُ وَيُدَافِعُ عَنْهُ هُنَاكَ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ

يَفْخَرُ بِسَلَفِهِ مِنَ الْوَثَنِيِّينَ وَالْمَجُوسِ حَتَّى بِفِرْعَوْنَ الَّذِي لَعَنَهُ اللهُ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ.

أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنْ نَتَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وَنَعْتَبِرَ بِهِ، وَنَتَذَكَّرَ وَنَهْتَدِيَ، وَأَنْ نَعْلَمَ مَا نَقُولُهُ فِي صِلَاتِنَا مِنْ آيَاتِهِ وَأَذْكَارِهِ، وَأَكَّدَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَالِامْتِثَالُ لَهَا وَالْعَمَلُ بِهَا لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى. وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَجَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ مُعْجِزًا

<<  <  ج: ص:  >  >>