للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّائِلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، وَعَنْ عُمَرَ: " أُحَرِّجُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ، فَإِنَّ لَنَا فِيمَا كَانَ شُغْلًا " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ سُئِلَ عَنِ الشَّيْءِ يَقُولُ: " كَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قِيلَ: لَا، قَالَ: دَعُوهُ حَتَّى يَكُونَ " وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُ ذَلِكَ.

" وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مَرْفُوعًا، وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ رَفَعَهُ: " لَا تُعَجِّلُوا بِالْبَلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِهَا، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَفْعَلُوا لَمْ يَزَلْ فِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ إِذَا قَالَ سُدِّدَ أَوْ وُفِّقَ، وَإِنْ عَجَّلْتُمْ تَشَتَّتَ بِكُمُ السُّبُلُ " وَهُمَا مُرْسَلَانِ يُقَوِّي بَعْضٌ بَعْضًا. وَمِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ عَنْ أَشْيَاخِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: " لَا يَزَالُ فِي أُمَّتِي مَنْ إِذَا سُئِلَ سُدِّدَ وَأُرْشِدَ حَتَّى يَتَسَاءَلُوا عَمَّا لَمْ يُنَزَّلْ " الْحَدِيثَ نَحْوَهُ.

" قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْبَحْثَ عَمَّا لَا يُوجَدُ فِيهِ نَصٌّ عَلَى قَسْمَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) : أَنْ يَبْحَثَ عَنْ دُخُولِهِ فِي دَلَالَةِ النَّصِّ عَلَى اخْتِلَافِ وُجُوهِهَا، فَهَذَا مَطْلُوبٌ لَا مَكْرُوهٌ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ فَرْضًا عَلَى مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ. (ثَانِيهُمَا) : أَنْ يُدَقِّقَ النَّظَرَ فِي وُجُوهِ الْفُرُوقِ، فَيُفَرِّقَ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ بِفَرْقٍ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي الشَّرْعِ، مَعَ وُجُودِ وَصْفِ الْجَمْعِ، أَوْ بِالْعَكْسِ، بِأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ مُتَفَرِّقَيْنِ بِوَصْفٍ طَرْدِيٍّ مَثَلًا، فَهَذَا الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ، وَعَلَيْهِ يَنْطَبِقُ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: " هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ " أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَرَأَوْا أَنَّ فِيهِ تَضْيِيعَ الزَّمَانِ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ. وَمِثْلُهُ الْإِكْثَارُ مِنَ التَّفْرِيعِ عَلَى مَسْأَلَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ وَلَا الْإِجْمَاعِ، وَهِيَ نَادِرَةُ الْوُقُوعِ جِدًّا. فَيَصْرِفُ فِيهَا زَمَانًا كَانَ صَرْفُهُ فِي غَيْرِهَا أَوْلَى، وَلَا سِيَّمَا إِنْ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ إِغْفَالُ التَّوَسُّعِ فِي بَيَانِ مَا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ.

" وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ فِي كَثْرَةِ السُّؤَالِ الْبَحْثُ عَنْ أُمُورٍ مُغَيَّبَةٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْإِيمَانِ بِهَا مَعَ تَرْكِ كَيْفِيَّتِهَا. وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ لَهُ شَاهِدٌ فِي عَالَمِ الْحِسِّ كَالسُّؤَالِ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، وَعَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالنَّقْلِ الصِّرْفِ، وَالْكَثِيرُ مِنْهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ، فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ. وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ مَا تُوُقِّعَ كَثْرَةُ الْبَحْثِ عَنْهُ فِي الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ، وَسَيَأْتِي مِثَالُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: " لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ حَتَّى يُقَالَ: هَذَا اللهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ

خَلَقَ اللهَ؟ " وَهُوَ ثَامِنُ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ.

" وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: مِثَالُ التَّنَطُّعِ فِي السُّؤَالِ حَتَّى يُفْضِيَ بِالْمَسْئُولِ إِلَى الْجَوَابِ بِالْمَنْعِ بَعْدَ أَنْ يُفْتِيَ بِالْإِذْنِ أَنْ يَسْأَلَ عَنِ السِّلَعِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْأَسْوَاقِ، هَلْ يُكْرَهُ شِرَاؤُهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ مِنْ قَبْلِ الْبَحْثِ عَنْ مَصِيرِهَا إِلَيْهِ أَوْ لَا؟ فَيُجِيبُهُ بِالْجَوَازِ، فَإِنْ عَادَ فَقَالَ: أَخْشَى أَنْ يَكُونَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَصْبٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْوَقْتُ قَدْ وَقَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>