للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ تَعَجُّبًا، وَقَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (١٢: ١١١) أَيْ عَجَبٌ. وَمِنَ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِاعْتِبَارِ الْقِيَاسَ، وَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى لَنَا: قِيسُوا، ثُمَّ لَا يُبَيِّنُ لَنَا مَاذَا نَقِيسُ؟

وَلَا كَيْفَ نَقِيسُ؟ وَلَا عَلَى مَاذَا نَقِيسُ؟ هَذَا مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وِسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَعْلَمَ شَيْئًا مِنَ الدِّينِ إِلَّا بِتَعْلِيمِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (٢: ٢٨٦) .

فَإِنْ ذَكَرُوا أَحَادِيثَ وَآيَاتٍ فِيهَا تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، وَأَنَّ اللهَ قَضَى وَحَكَمَ بِأَمْرِ كَذَا مِنْ أَجْلِ أَمْرِ كَذَا، قُلْنَا لَهُمْ: كُلُّ مَا قَالَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ فَهُو حَقٌّ، لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ خِلَافُهُ، وَهُوَ نَصٌّ بِهِ نَقُولُ، وَكَيْفَمَا تُرِيدُونَ أَنْتُمْ أَنْ تُشَبِّهُوهُ فِي الدِّينِ، وَأَنْ تُعَلِّقُوهُ مِمَّا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ اللهُ تَعَالَى، وَلَا رَسُولُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِفْكٌ، وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ تَعَالَى بِهِ. وَهَذَا يُبْطِلُ عَلَيْهِمْ تَمْوِيهَهُمْ بِذِكْرِ آيَةِ جَزَاءِ الصَّيْدِ، وَ " أَرَأَيْتَ لَوْ مَضْمَضْتَ " وَ (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) (٥: ٣٢) وَكُلِّ آيَةٍ وَحَدِيثٍ مَوَّهُوا بِإِيرَادِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا بَيَّنَاهُ فِي (كِتَابِ الْإِحْكَامِ لِأُصُولِ الْأَحْكَامِ) وَفِي (كِتَابِ النُّكَتِ) وَفِي (كِتَابِ الدُّرَّةِ) وَ (كِتَابِ النَّبْذِ) .

(قَالَ عَلِيٌّ) : وَقَدْ عَارَضْنَاهُمْ فِي كُلِّ قِيَاسٍ قَاسُوهُ بِقِيَاسٍ مِثْلِهِ أَوْ أَوْضَحَ مِنْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ لِنُرِيَهُمْ فَسَادَ الْقِيَاسِ جُمْلَةً، فَمَوَّهَ مِنْهُمْ مُمَوِّهُونَ. فَإِنْ قَالُوا: أَنْتُمْ دَابًا تُبْطِلُونَ الْقِيَاسَ بِالْقِيَاسِ، وَهَذَا مِنْكُمْ رُجُوعٌ إِلَى الْقِيَاسِ وَاحْتِجَاجٌ بِهِ، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْتَجِّ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ لِيُبْطِلَ حُجَّةَ الْعَقْلِ، وَبِدَلِيلٍ مِنَ النَّظَرِ لِيُبْطِلَ بِهِ النَّظَرَ.

(قَالَ عَلِيٌّ) فَقُلْنَا: هَذَا شَغَبٌ يَسْهُلُ إِفْسَادُهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، وَنَحْنُ لَمْ نَحْتَجَّ

بِالْقِيَاسِ فِي إِبْطَالِ الْقِيَاسِ، وَمَعَاذَ اللهِ مِنْ هَذَا، لَكِنْ أَرَيْنَاكُمْ أَنَّ أَصْلَكُمُ الَّذِي أَتَيْتُمُوهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ يَشْهَدُ بِفَسَادِ قِيَاسَاتِكُمْ، وَلَا قَوْلَ أَظْهَرَ بَاطِلًا مِنْ قَوْلٍ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَقَدْ نَصَّ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى هَذَا فَقَالَ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) (٥: ١٨) فَلَيْسَ هَذَا تَصْحِيحًا لِقَوْلِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَلَكِنْ إِلْزَامًا لَهُمْ مَا يَفْسُدُ بِهِ قَوْلُهُمْ. وَلَسْنَا فِي ذَلِكَ كَمَنْ ذَكَرْتُمْ مِمَّنْ يَحْتَجُّ فِي إِبْطَالِ حُجَّةِ الْعَقْلِ بِحُجَّةِ الْعَقْلِ; لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ مُصَحِّحُ الْقَضِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُ مِنْ قُرْبٍ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ غَيْرُهَا، فَقَدْ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَحْتَجَّ قَطُّ فِي إِبْطَالِ الْقِيَاسِ بِقِيَاسٍ نُصَحِّحُهُ، وَلَكِنَّا نُبْطِلُ الْقِيَاسَ بِالنُّصُوصِ وَبَرَاهِينِ الْعَقْلِ. ثُمَّ نُزِيدُ بَيَانًا فِي فَسَادِهِ مِنْهُ نَفْسِهِ بِأَنْ نَرَى تَنَاقُضَهُ جُمْلَةً فَقَطْ، وَالْقِيَاسُ الَّذِي نُعَارِضُ بِهِ قِيَاسَكُمْ نَحْنُ نُقِرُّ بِفَسَادِهِ وَفَسَادِ قِيَاسِكُمُ الَّذِي

<<  <  ج: ص:  >  >>