للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) (٥: ٣٨) عَنْ إِثْبَاتِ قَطْعِ النَّبَّاشِ بِالْقِيَاسِ اسْمًا أَوْ حُكْمًا، إِذِ السَّارِقُ يَعُمُّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَعُرْفِ الشَّارِعِ سَارِقَ ثِيَابِ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ.

وَمِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ: (قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) (٦٦: ٢) فِي تَنَاوُلِهِ لِكُلِّ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ يَحْلِفُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ إِلَّا بِنَصٍّ وَإِجْمَاعٍ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ فِي قَوْلِهِ: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) (٥: ٨٩) فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلَّ يَمِينٍ مُنْعَقِدَةٍ فَهَذَا كَفَّارَتُهَا، وَقَدْ أَدْخَلَتِ الصَّحَابَةُ فِي هَذَا النَّصِّ الْحَلِفَ بِالْتِزَامِ الْوَاجِبَاتِ وَالْحَلِفِ بِأَحَبِّ الْقُرُبَاتِ الْمَالِيَّةِ إِلَى اللهِ وَهُوَ الْعِتْقُ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْهُمْ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَأَدْخَلَتْ فِيهِ الْحَلِفَ بِالْبَغِيضِ إِلَى اللهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ، فَالْوَاجِبُ تَحْكِيمُ هَذَا النَّصِّ الْعَامِّ وَالْعَمَلُ بِعُمُومِهِ حَتَّى يَثْبُتَ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ إِجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى خِلَافِهِ، فَالْأُمَّةُ لَا تُجْمِعُ عَلَى خَطَأٍ أَلْبَتَّةَ.

وَمِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ " فِي إِبْطَالِ كُلِّ عَقْدٍ نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ وَأَنَّهُ لَغْوٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ نِكَاحًا كَانَ أَوْ طَلَاقًا أَوْ غَيْرَهُمَا، إِلَّا أَنْ تُجْمِعَ الْأُمَّةُ إِجْمَاعًا مَعْلُومًا عَلَى أَنَّ بَعْضَ مَا نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ وَحَرَّمَهُ مِنَ الْعُقُودِ صَحِيحٌ لَازِمٌ مُعْتَدٌّ بِهِ غَيْرُ مَرْدُودٍ، فَهِيَ لَا تُجْمِعُ عَلَى خَطَأٍ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.

وَمِنْ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) (٦: ١١٩) مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ " فَكُلُّ مَا لَمْ يُبَيِّنِ اللهُ وَلَا رَسُولُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَحْرِيمَهُ مِنَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَالْمَلَابِسِ وَالْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ فَلَا يَجُوزُ تَحْرِيمُهَا، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ فَصَّلَ لَنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، فَمَا كَانَ مِنْ

هَذِهِ الْأَشْيَاءِ حَرَامًا فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُهُ مُفَصَّلًا، وَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِبَاحَةُ مَا حَرَّمَهُ اللهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَحْرِيمُ مَا عَفَا عَنْهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهُ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ ".

لَا شَيْءَ فِي الشَّرْعِ يُخَالِفُ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ:

ثُمَّ شَرَعَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي بَيَانِ كَوْنِ جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مُوَافِقَةً لِلْقِيَاسِ الصَّحِيحِ الْمُوَافِقِ لِلْعَدْلِ وَالْعَقْلِ فَقَالَ:

(الْفَصْلُ الثَّانِي) فِي بَيَانِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ مَا يُظَنُّ مُخَالَفَتُهُ لِلْقِيَاسِ فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْقِيَاسُ فَاسِدًا أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ لَمْ يَثْبُتْ بِالنَّصِّ كَوْنُهُ مِنَ الشَّرْعِ. وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ عَمَّا يَقَعُ فِي كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>