مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) .
وَجْهُ اتِّصَالِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بِمَا قَبْلَهُمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى فِي السِّيَاقِ الَّذِي قَبْلَهُمَا عَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللهُ وَعَنِ الِاعْتِدَاءِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ تَرْكًا لِمُبَاحٍ يَلْتَزِمُ بِالنَّذْرِ أَوْ بِالْحَلِفِ بِاسْمِ اللهِ تَنَسُّكًا وَتَعَبُّدًا مَعَ اعْتِقَادِ إِبَاحَتِهِ فِي نَفْسِهِ، لَا شَرْعًا يُدْعَى إِلَيْهِ وَيُعْتَقَدُ وُجُوبُهُ وَبَيَّنَ فِيهِ كَفَّارَةَ الْأَيْمَانِ، وَحَرَّمَ الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ وَالْأَنْصَابَ وَالْأَزْلَامَ، وَصَيْدَ الْبَرِّ عَلَى الْمُحْرِمِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، وَبَعْدَ أَنْ نَهَى عَنْ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ، نَهَى أَنْ يَكُونَ الْمُؤْمِنُ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ اللهِ تَعَالَى شَيْئًا لَمْ يَكُنْ حَرَّمَهُ، أَوْ شَرْعِ حُكْمٍ لَمْ يَكُنْ شَرَعَهُ، بِأَنْ يَسْأَلَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا سَكَتَ اللهُ عَنْهُ عَفْوًا وَفَضْلًا، فَيَكُونُ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ أَوْرَدَ تَكْلِيفًا جَدِيدًا، فَنَاسَبَ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُبَيِّنَ ضَلَالَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمَا شَرَعُوهُ لَهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا قَلَّدَ بِهِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى جَهْلِهِمْ، مَعَ بَيَانِ بُطْلَانِ التَّقْلِيدِ وَكَوْنِهِ يُنَافِي الْعِلْمَ وَالدِّينَ فَقَالَ:
(مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ) هَذِهِ أَرْبَعَةُ نُعُوتٍ لِأَرْبَعَةِ أَنْوَاعٍ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْأَنْعَامِ الَّتِي حَرَّمَتْهَا الْجَاهِلِيَّةُ عَلَى أَنْفُسِهَا.
(فَالْبَحِيرَةُ) : فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَهِيَ النَّاقَةُ الَّتِي يُبْحِرُونَ أُذُنَهَا أَيْ يَشُقُّونَهَا شَقًّا وَاسِعًا، وَكَانُوا يَفْعَلُونَ بِهَا ذَلِكَ إِذَا أُنْتِجَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ وَكَانَ الْخَامِسُ أُنْثَى كَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: إِذَا وَلَدَتْ عَشَرَةَ أَبْطُنٍ، يَفْعَلُونَهُ لِيَكُونَ عَلَامَةً عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِهَا أَوْ
رُكُوبِهَا أَوِ الْحَمْلِ عَلَيْهَا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (بَحَرَ) وَهُوَ فِي الْأَصْلِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ: " كُلُّ مَكَانٍ وَاسِعٍ جَامِعٍ لِلْمَاءِ الْكَثِيرِ " ثُمَّ اشْتَقُّوا مِنْهُ عِدَّةَ كَلِمَاتٍ فِيهَا مَعْنَى السَّعَةِ.
(وَالسَّائِبَةُ) : النَّاقَةُ الَّتِي تُسَيَّبُ بِنَذْرِهَا لِآلِهَتِهِمْ فَتَرْعَى حَيْثُ شَاءَتْ، وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَلَا يُجَزُّ صُوفُهَا وَلَا يُحْلَبُ لَبَنُهَا إِلَّا لِضَيْفٍ، فَهِيَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: سَابَ الْفَرَسُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute