للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غَيْرِكُمْ أَيْ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ النَّحَّاسُ بِأَنْ لَفْظِ " آخَرَ " لَا بُدَّ أَنْ يُشَارِكَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الصِّفَةِ حَتَّى لَا يَسُوُغَ أَنْ يَقُولَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ كَرِيمٍ وَلَئِيمٍ آخَرَ، فَعَلَى هَذَا فَقَدَ وُصِفَ الِاثْنَانِ بِالْعَدَالَةِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْآخَرَانِ كَذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا وَإِنْ سَاغَ فِي الْآيَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ دَلَّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، وَالصَّحَابِيُّ إِذَا حَكَى سَبَبَ النُّزُولِ كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ اتِّفَاقًا وَأَيْضًا فَفِيمَا قَالَ رَدَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ; لِأَنَّ اتِّصَافَ الْكَافِرِ بِالْعَدَالَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ، فَمَنْ قَبِلَهَا وَصَفَهُ بِهَا وَمَنْ لَا فَلَا.

وَاعْتَرَضَ أَبُو حَيَّانَ عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ، فَلَوْ قُلْتَ جَاءَنِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَآخَرُ كَافِرٌ صَحَّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُلْتَ جَاءَنِي رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ آخَرُ وَالْآيَةُ مِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي; لِأَنَّ قَوْلَهُ آخَرَانِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ اثْنَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةُ رَجُلَانِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ فَرَجُلَانِ اثْنَانِ وَرَجُلَانِ آخَرَانِ.

" وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَالْكَافِرُ شَرٌّ مِنَ الْفَاسِقِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا، وَبِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ، حَتَّى صَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَعَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ وَجَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مُحْكَمَةٌ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَنْ مَاتَ مُسَافِرًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِ اتُّهِمَا اسْتُحْلِفَا. أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ عَمِلَ بِذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَاقَ الْحَافِظُ الْحَدِيثَ وَقَالَ: إِنْ حُكْمَهُ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَانَ حُجَّةً، وَذَكَرَ رَدَّ الطَّبَرِيِّ وَالرَّازِيِّ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا فِي الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ ثُمَّ قَالَ:

" وَذَهَبَ الْكَرَابِيسِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهَادَةِ فِي الْآيَةِ الْيَمِينُ قَالُوا: وَقَدْ سَمَّى اللهُ الْيَمِينَ شَهَادَةً فِي آيَةِ اللِّعَانِ، وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ بِاللهِ، وَأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ إِنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، قَالُوا: فَالْمُرَادُ

بِالشَّهَادَةِ الْيَمِينُ لِقَوْلِهِ: (فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ) أَيْ يَحْلِفَانِ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُمَا حَلَفَا عَلَى الْإِثْمِ رَجَعَتِ الْيَمِينُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْيَمِينَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَدٌ وَلَا عَدَالَةٌ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَقَدِ اشْتُرِطَا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَقَوِيَ حَمْلُهَا عَلَى أَنَّهَا شَهَادَةٌ.

" وَأَمَّا اعْتِلَالُ مَنِ اعْتَلَّ فِي رَدِّهَا بِأَنَّ الْآيَةَ تُخَالِفُ الْقِيَاسَ وَالْأُصُولَ لِمَا فِيهَا مِنْ قَبُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>