للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شِفَاءِ الْمَرَضِ الَّذِي قَدْ يَقَعُ بَعْضُ أَفْرَادِهِ عَلَى أَيْدِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ، وَلَا سِيَّمَا مَنْ يَظُنُّ الْمَرْضَى فِيهِمُ الصَّلَاحَ وَالْوِلَايَةَ، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ ذُكِرَ بِالتَّبَعِ لِإِحْيَاءِ الصُّورَةِ مِنَ الطَّيْرِ، وَلَمَّا كَانَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى أَعْظَمَ مِنْهُ جُعِلَ نِعْمَةً مُسْتَقِلَّةً فَقُرِنَ بِإِذْ، وَالْمُرَادُ بِالْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَالْمَوْتَى الْجِنْسُ وَالْأَكْمَهُ مَنْ وُلِدَ أَعْمَى، وَيُطْلَقُ عَلَى مَنْ عَمِيَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا. وَفِي كُتُبِ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَنَّهُ أَبْرَأَ كَثِيرًا مِنَ الْعُمْيِ وَالْبُرْصِ وَأَحْيَا ثَلَاثَةَ أَمْوَاتٍ: (الْأَوَّلُ) ابْنُ أَرْمَلَةَ وَحِيدٌ فِي (نَابِينَ) كَانُوا يَحْمِلُونَهُ عَلَى النَّعْشِ فَلَمَسَ النَّعْشَ وَأَمَرَ الْمَيِّتَ أَنْ يَقُومَ مِنْهُ فَقَامَ، فَقَالَ الشَّعْبُ: " قَدْ قَامَ فِينَا نَبِيٌّ عَظِيمٌ وَافْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهَ " أَيْ شَعْبُ إِسْرَائِيلَ انْتَهَى. (مِنْ إِنْجِيلِ لُوقَا ٧: ١١ ١٧) . (الثَّانِي) ابْنَةُ رَئِيسٍ مَاتَتْ وَدَعَاهُ لِإِحْيَائِهَا فَجَاءَ بَيْتَهُ وَقَالَ لِلْجَمِيعِ: " تَنَحُّوا، فَإِنَّ الصَّبِيَّةَ لَمْ تَمُتْ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ فَضَحِكُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَخْرَجَ الْجَمْعَ دَخَلَ وَأَمْسَكَ بِيَدِهَا فَقَامَتِ الصَّبِيَّةُ " وَالْقِصَّةُ فِي (إِنْجِيلِ مَتَّى ٩: ١٨ ٢٦) وَنَفْيُهُ لِمَوْتِهَا ثُمَّ إِثْبَاتُهُ لِنَوْمِهَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنَّوْمِ الْمَوْتَ مَجَازًا عَلَى مَا نَقُلْ عَنْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَعَلَيْهِ قَدْ يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُغْمِيَ عَلَيْهَا فَظَنُّوا أَنَّهَا مَاتَتْ فَعُلِمَ بِالْكَشْفِ أَوِ الْوَحْيِ أَنَّهَا لَمْ تَمُتْ، وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَثِقُونَ بِنُقُولِ الْقَوْمِ وَلَا بِدِقَّتِهِمْ فِي التَّرْجَمَةِ وَمُرَاعَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ بَعْدَ النَّفْيِ. (الثَّالِثُ) لِعَازَرَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ جِدًّا وَيُحِبُّ أُخْتَيْهِ مَرْيَمَ وَمَرْثَا كَمَا يُحِبُّونَهُ، فَفِي الْفَصْلِ الْحَادِي عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا أَنَّهُ كَانَ مَاتَ فِي بَيْتٍ عُنِيًّا، وَوُضِعَ فِي مَغَارَةٍ، فَجَاءَ الْمَسِيحُ وَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقَ وَقَالَ: " أَيُّهَا الْآبُّ أَشْكُرُكَ

لِأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي، وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي، وَلَكِنْ لِأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ لِيُؤْمِنُوا إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَلَمَّا قَالَ هَذَا: صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ " لِعَازَرَ هَلُمَّ خَارِجًا " فَخَرَجَ الْمَيِّتُ إِلَخْ. وَمَلَاحِدَةُ أُورُبَّةَ يَزْعُمُونَ أَنَّ لِعَازَرَ تَمَاوَتَ بِإِذْنِ الْمَسِيحِ وَالتَّوَاطُؤِ مَعَهُ. . . وَقَدْ كَذَبُوا أَخْزَاهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَلَمْ يَنْقُلِ النَّصَارَى عَنْهُ أَنَّهُ أَحْيَا أَمْوَاتًا كَانُوا تَحْتَ التُّرَابِ بَعْدَ الْبِلَى كَمَا نُقِلَ عَنْ دَانْيَالَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

وَتَكْرَارُ كَلِمَةِ الْإِذْنِ بِتَقْيِيدِ كُلِّ فِعْلٍ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِهَا يُفِيدُ أَنَّهُ مَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللهِ الْخَاصَّةِ وَقُدْرَتِهِ. وَالْإِذْنُ يُطْلَقُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِإِجَازَةِ الشَّيْءِ وَالرُّخْصَةِ فِيهِ وَعَلَى الْأَمْرِ بِهِ وَكَذَا عَلَى الْمَشِيئَةِ وَالتَّيْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٢: ١٠٢) وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ أَمْرِهِ، وَمِثْلُهُ بَلْ أَظْهَرُ مِنْهُ قَوْلَهُ: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) (٣: ١٦٦) أَيْ بِإِرَادَتِهِ وَتَيْسِيرِهِ.

(وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أَيْ وَاذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ حِينَ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ فَلَمْ أُمَكِّنْهُمْ مِنْ قَتْلِكَ وَصَلْبِكَ وَقَدْ أَرَادُوا ذَلِكَ وَقْتَ تَكْذِيبِ كُفَّارِهِمْ إِيَّاكَ وَزَعْمِهِمْ أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ لَمْ يَكُنْ إِلَّا سِحْرًا ظَاهِرًا، لَا مِنْ جِنْسِ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى، عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>