للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِمْ وَنَسُوا حَظًّا عَظِيمًا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، وَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَتَرَكُوا الْحُكْمَ بِالتَّوْرَاةِ وَأَخْفَوْا بَعْضَ أَحْكَامِهَا، وَحَكَّمُوا الرَّسُولَ وَلَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِهِ الْمُوَافِقِ لَهَا، وَأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِمُ الْغَالِبَةِ عَلَيْهِمْ قَسَاوَةَ الْقَلْبِ، وَالْخِيَانَةَ وَالْمَكْرَ، وَالْكَذِبَ وَقَوْلَ الْإِثْمِ، وَالْمُبَالَغَةَ فِي سَمَاعِ الْكَذِبِ وَأَكْلَ السُّحْتِ، وَالسَّعْيَ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَفِي إِيقَادِ نَارِ الْفِتَنِ وَالْحَرْبِ. وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَتَمَرَّدُوا عَلَى مُوسَى إِذْ أَمَرَهُمْ بِدُخُولِ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ وَقِتَالِ الْجَبَّارِينَ فَعَاقَبَهُمُ اللهُ بِالتِّيهِ فِي الْأَرْضِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى أَنَّهُمْ يُوَالُونَ عَلَيْهِمُ الْمُشْرِكِينَ، بِسَبَبِ مَا وَرِثُوهُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ عَنِ الْغَابِرِينَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ عَاقَبَهُمْ عَلَى

ذَلِكَ كُلِّهِ بِاللَّعْنِ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ، وَبِالْغَضَبِ وَالْمَسْخِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ فِي زَمَنِ الْبَعْثَةِ وَقَبْلَهُ تُثْبِتُهَا تَوَارِيخُهُمْ وَتَوَارِيخُ غَيْرِهِمْ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَامَّةً فِيهِمْ وَلَا شَامِلَةً لِجَمِيعِ أَفْرَادِهِمْ، فَقَدْ أَنْصَفَهُمُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا بِالْحُكْمِ عَلَى الْكَثِيرِ مِنْهُمْ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِمْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ: (مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ) (٥: ٦٦) وَبَيَّنَّا فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مَا كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُسَاعَدَةِ الْيَهُودِ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الشَّامِ وَالْأَنْدَلُسِ لِعَدْلِهِمْ فِيهِمُ عَلَى النَّصَارَى الظَّالِمِينَ لَهُمْ.

وَمِمَّا جَاءَ فِي النَّصَارَى خَاصَّةً أَنَّهُمْ نَسُوا كَالْيَهُودِ حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، وَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وَقَالُوا: إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، وَبِبَرَاءَةِ الْمَسِيحِ مِنْهَا وَمِنْ مُنْتَحِلِيهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَبَيَّنَ لَهُمْ حَقِيقَةَ الْمَسِيحِ وَأَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَرَوْحٌ مِنْهُ، وَمَا أَيَّدَهُ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ، وَحَالَ حَوَارِيِّيهِ وَتَلَامِيذِهِ فِي الْإِيمَانِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَقْرَبُ النَّاسِ مَوَدَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (٥: ٨٢) فَلْيُرَاجَعْ تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْجُزْءِ السَّابِعِ.

وَجُمْلَةُ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ تَشْهَدُ لِنَفْسِهَا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ تَعَالَى لَا مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ، عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ لَيْسَتْ مُوَافِقَةً لَهَا وَلَهُمْ مُوَافَقَةَ النَّاقِلِ لِلْمَنْقُولِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هِيَ فَوْقَ ذَلِكَ تَحْكُمُ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ وَفِي كُتُبِهِمْ حُكْمَ الْمُهَيْمِنِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>