للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهُ يُصْلِحُ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ " وَقَوْلُهُ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ " تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ " وَقَوْلُهُ " صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا بَعْدُ. قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ " الْحَدِيثَ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ.

(النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ شَهَادَتِهِ لِرَسُولِهِ) شَهَادَةُ كُتُبِهِ السَّابِقَةِ لَهُ وَبِشَارَةُ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ بِهِ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الشَّهَادَاتُ وَالْبَشَائِرُ ظَاهِرَةً فِيمَا بَقِيَ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ تِلْكَ الْكُتُبِ وَتَوَارِيخِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى مَا طَرَأَ عَلَيْهَا مِنَ التَّحْرِيفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ السُّورَةِ السَّابِقَةِ وَلَا سِيَّمَا الْمَائِدَةُ، وَلَا تَنْسَ هُنَا أَخْذَهُ تَعَالَى الْعَهْدَ عَلَى الرُّسُلِ وَقَوْلَهُ لَهُمْ: (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٣: ٨١) [رَاجِعْ ص ٢٩٠ ج ٣ ط الْهَيْئَةِ] .

وَأَمَّا شَهَادَتُهُ تَعَالَى لِمَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَهُوَ مَا كَانُوا يُنْكِرُونَهُ دُونَ الْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ وَالْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:

(أَحَدُهَا) شَهَادَةُ كِتَابِهِ مُعْجِزَةِ الْخَلْقِ بِذَلِكَ كَقَوْلِهِ: (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ ٣: ١٨، ١٩) وَقَوْلِهِ: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ٦٤: ٧) .

(ثَانِيهَا) مَا أَقَامَهُ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَفِي بَيَانِ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا.

(ثَالِثُهَا) مَا أَوْدَعَهُ جَلَّ شَأْنُهُ فِي الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ مِنَ الْإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَبَقَاءِ النَّفْسِ، وَمَا هَدَى إِلَيْهِ الْعُقُولَ السَّلِيمَةَ مِنْ تَأْيِيدِ هَذَا الشُّعُورِ الْفِطْرِيِّ بِالدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ وَلَعَلَّنَا نَشْرَحُ مَعْنَى الْإِيمَانِ الْفِطْرِيِّ الَّذِي بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ بَيَانًا مُوجَزًا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْعَهْدِ الْإِلَهِيِّ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى بَنِي آدَمَ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ٧: ١٧٢) الْآيَةَ.

عُلِمَ مِمَّا بَيَّنَّاهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ تَعَالَى هِيَ شَهَادَةُ آيَاتِهِ فِي الْقُرْآنِ وَآيَاتِهِ فِي الْأَكْوَانِ، وَآيَاتِهِ فِي الْعَقْلِ وَالْوِجْدَانِ اللَّذَيْنِ أَوْدَعَهُمَا فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ

بَيَّنَهَا الْقُرْآنُ وَأَرْشَدَ إِلَيْهَا فَهُوَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ، وَالشَّاهِدُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَكَفَى بِهِ ظُهُورًا بِالْحَقِّ وَإِظْهَارًا لَهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ لَهُ. عَلَى أَنَّ الشُّهُودَ وَالْأَدِلَّةَ عَلَى حَقِيقَتِهِ كَثِيرَةٌ، وَجُمْلَةُ " وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ " مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ " اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " مُصَدَّرَةً بِالْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>