للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَوْضُوعُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: (قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) فَأَعَادَ الْأَمْرَ وَلَمْ يَعْطِفِ الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِإِفَادَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ مَقْصُودٌ بِذَاتِهِ لَا يُغْنِي عَنْهُ نَفْيُ الشَّهَادَةِ بِالشِّرْكِ.

(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) .

رُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا أَرْسَلَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مَنْ سَأَلَ الْيَهُودَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَعُوا إِلَى مَكَّةَ فَزَعَمُوا أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لَيْسَ لَهُ عِنْدَنَا ذِكْرٌ، فَلَمَّا صَارَ لَهُمْ عَهْدٌ بِالْيَهُودِ كَانَ مِمَّا

رَدَّ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحُجَجِ: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ) أَيْ يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ خَاتَمَ الرُّسُلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ لِأَنَّ نَعْتَهُ فِي كُتُبِهِمْ وَاضِحٌ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَصُّ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَآيَاتٍ أُخْرَى فِي مَعْنَاهَا وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا مَا يُؤَيِّدُهَا مِنْ شَوَاهِدِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى عِلَّةَ إِنْكَارِ الْمُكَابِرِينَ مِنْهُمْ لِمَا يَعْرِفُونَهُ مِنْ أَمْرِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) قِيلَ: إِنَّ " الَّذِينَ " هُنَا بَيَانٌ لِلَّذِينِ الْأُولَى أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، أَيِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ بَلْ يَكْفُرُونَ كِبْرًا وَعِنَادًا فَهُمْ لِذَلِكَ يُنْكِرُونَ مَا يَعْرِفُونَ. وَقَدْ بَيَّنَّا قَرِيبًا مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ إِذْ وَرَدَتْ بِنَصِّهَا فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ (ص ٣٢٧) وَمَوْقِعُهَا هُنَا أَنَّ عِلَّةَ إِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ كَعِلَّةِ إِنْكَارِ مَنْ أَنْكَرَهَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ ظُهُورِ آيَاتِهَا وَأَنْكَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا وَأَظْهَرُ وَهُوَ وَحْدَانِيَّةُ اللهِ تَعَالَى، وَهِيَ أَنَّهُمْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ يُؤْثِرُونَ مَا لَهُمْ مِنَ الْجَاهِ وَالْمَكَانَةِ وَالرِّيَاسَةِ فِي قَوْمِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ بِالرَّسُولِ النَّبِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>