للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحُسْنِ عَاقِبَتِهِ، وَعَزْمِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَتَرْكِ التَّكْذِيبِ لَوْ أُعْطَوْا مَا تَمَنَّوْا مِنَ الرَّدِّ إِلَى الدُّنْيَا، وَوَعْدِهِمْ بِذَلِكَ نَصًّا أَوْ ضِمْنًا، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُمْ فِي التَّمَنِّي، بَلْ ظَهَرَ لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَهُ فِي الدُّنْيَا، وَفِيهِ أَقْوَالٌ:

(١) أَنَّهُ أَعْمَالُهُمُ السَّيِّئَةُ وَقَبَائِحُهُمُ الشَّائِنَةُ ظَهَرَتْ فِي صَحَائِفِهِمْ، وَشَهِدَتْ بِهَا عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ.

(٢) أَنَّهُ أَعْمَالُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَغْتَرُّونَ بِهَا، وَيَظُنُّونَ أَنَّ سَعَادَتَهُمْ فِيهَا إِذْ يَجْعَلُهَا اللهُ تَعَالَى هَبَاءًا مَنْثُورًا.

(٣) أَنَّهُ كُفْرُهُمْ وَتَكْذِيبُهُمُ الَّذِي أَخْفَوْهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُوقَفُوا عَلَى النَّارِ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ٢٣)

(٤) أَنَّهُ الْحَقُّ أَوِ الْإِيمَانُ الَّذِي كَانُوا يُسِرُّونَهُ وَيُخْفُونَهُ بِإِظْهَارِ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ عِنَادًا لِلرَّسُولِ وَاسْتِكْبَارًا عَنِ الْحَقِّ، وَهَذَا إِنَّمَا يَنْطَبِقُ عَلَى أَشَدِّ النَّاسِ كُفْرًا مِنَ الْمُعَانِدِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ الَّذِينَ قَالَ فِي بَعْضِهِمْ: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) (٢٧: ١٤) .

(٥) أَنَّهُ مَا كَانَ يُخْفِيهِ الرُّؤَسَاءُ عَنْ أَتْبَاعِهِمْ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ بَدَا لِلْأَتْبَاعِ الَّذِينَ كَانُوا مُقَلِّدِينَ لَهُمْ. وَمِنْهُ كِتْمَانُ بَعْضِ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَاتِهِ وَبِشَارَةِ أَنْبِيَائِهِمْ بِهِ.

(٦) أَنَّهُ مَا كَانَ يُخْفِيهِ الْمُنَافِقُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ إِسْرَارِ الْكُفْرِ وَإِظْهَارِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ.

(٧) أَنَّهُ الْبَعْثُ وَالْجَزَاءُ وَمِنْهُ عَذَابُ جَهَنَّمَ، وَأَنَّ إِخْفَاءَهُمْ لَهُ عِبَارَةٌ عَنْ تَكْذِيبِهِمْ بِهِ، وَهُوَ الْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِمَادَّةِ الْكُفْرِ.

(٨) أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُضَافًا مَحْذُوفًا، أَيْ بَدَا لَهُمْ وَبَالُ مَا كَانُوا يُخْفُونَهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَنَزَلَ بِهِمْ عِقَابُهُ فَتَبَرَّمُوا وَتَضَجَّرُوا، وَتَمَنَّوْا التَّقَصِّي مِنْهُ بِالرَّدِّ إِلَى الدُّنْيَا وَتَرْكِ مَا أَفْضَى إِلَيْهِ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْآيَاتِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ، كَمَا يَتَمَنَّى الْمَوْتَ مَنْ أَمَضَّهُ الدَّاءُ الْعُضَالُ لِأَنَّهُ يُنْقِذُهُ مِنَ الْآلَامِ لَا لِأَنَّهُ مَحْبُوبٌ فِي نَفْسِهِ.

وَنَحْنُ لَا نَرَى رُجْحَانَ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، بَلِ الصَّوَابُ عِنْدَنَا قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّهُ يَظْهَرُ يَوْمَئِذٍ لِكُلٍّ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ وَرَدَ الْكَلَامُ فِيهِمْ وَلِأَشْبَاهِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ مَا كَانَ يُخْفِيهِ فِي الدُّنْيَا مِمَّا هُوَ قَبِيحٌ فِي نَظَرِهِ أَوْ نَظَرِ مَنْ يُخْفِيهِ عَنْهُمْ، فَالَّذِينَ

كَفَرُوا عِنَادًا وَاسْتِكْبَارًا كَالرُّؤَسَاءِ الَّذِينَ ظَهَرَ لَهُمُ الْحَقُّ كَانُوا يُخْفُونَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَمِنْهُمْ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ جُبْنًا وَضَعْفًا أَوْ مَكْرًا وَكَيْدًا كَانُوا يُخْفُونَ الْكُفْرَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَصْحَابُ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ يُخْفُونَهَا عَمَّنْ لَا يَقْتَرِفُهَا مَعَهُمْ وَالَّذِينَ يَعْتَذِرُونَ عَنْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ بِالْأَعْذَارِ الْكَاذِبَةِ يُخْفُونَ حَقِيقَةَ حَالِهِمْ عَمَّنْ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِمْ، وَالْمُقَلِّدُونَ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا يَلُوحُ فِيهَا أَحْيَانًا مِنْ بَرْقِ الدَّلِيلِ الْمُظْهِرِ لِمَا كَمَنَ فِي أَعْمَاقِ الْفِطْرَةِ مِنَ الْحَقِّ، سَوَاءً أَوْمَضَ ذَلِكَ الْبَرْقُ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي الْآفَاقِ، وَأَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، أَوْ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي أَنْفُسِهِمْ، قَبْلَ أَنْ تُحِيطَ بِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>