للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَعَالَى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (١٧: ٤٤) وَبِنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ.

وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّسْبِيحَ حَالِيٌّ لَا قَالِيٌّ وَنَظِيرُ ذَلِكَ:

"

شَكَا إِلَيَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى

" وَ "

امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ قَطْنِي

" وَمَا يَصْدُرُ عَنْ بَعْضِ الْجَمَادَاتِ مِنْ تَسْبِيحٍ قَوْلِيٍّ كَتَسْبِيحِ الْحَصَى فِي كَفِّهِ الشَّرِيفِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَثَلًا

إِنَّمَا هُوَ عَنْ خَلْقِ إِدْرَاكٍ إِذْ ذَاكَ، وَمَا يُشَاهَدُ مِنَ الصَّنَائِعِ الْعَجِيبَةِ لِبَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ لَيْسَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ الرَّئِيسُ مِمَّا يَصْدُرُ عَنِ اسْتِنْبَاطٍ وَقِيَاسٍ، بَلْ عَنْ إِلْهَامٍ وَتَسْخِيرٍ ; وَلِذَلِكَ لَا تَخْتَلِفُ وَلَا تَتَنَوَّعُ، وَالنَّقْضُ بِالْحَرَكَةِ الْفَلَكِيَّةِ لَا يَرِدُ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِنَا، وَعَدَمُ افْتِرَاسِ الْأَسَدِ الْمُعَلَّمِ مَثَلًا صَاحِبَهُ لَيْسَ عَنِ اعْتِقَادٍ، بَلْ هُنَاكَ هَشَّةٌ أُخْرَى نَفْسَانِيَّةٌ، وَهِيَ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يُحِبُّ بِالطَّبْعِ مَا يُلِذُّهُ، وَالشَّخْصُ الَّذِي يُطْعِمُهُ مَحْبُوبٌ عِنْدَهُ فَيَصِيرُ ذَلِكَ مَانِعًا عَنِ افْتِرَاسِهِ، وَرُبَّمَا يَقَعُ هَذَا الْعَارِضُ عَنْ إِلْهَامٍ إِلَهِيٍّ مِثْلِ حُبِّ كُلِّ حَيَوَانِ وَلَدَهُ. وَعَلَى هَذَا الطِّرَازِ يَخْرُجُ الْخَوْفُ مَثَلًا الَّذِي يَعْتَرِي بَعْضَ الْحَيَوَانَاتِ.

(قَالَ) : وَقَدْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَأَنَا لَا أَرَى مَانِعًا مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْحَيَوَانَاتِ نُفُوسًا نَاطِقَةً، وَهِيَ مُتَفَاوِتَةُ الْإِدْرَاكِ حَسَبَ تَفَاوُتِهَا فِي أَفْرَادِ الْإِنْسَانِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ كَيْفَمَا كَانَتْ لَا تَصِلُ فِي إِدْرَاكِهَا وَتَصَرُّفِهَا إِلَى غَايَةٍ يَصِلُهَا الْإِنْسَانُ وَالشَّوَاهِدُ عَلَى هَذَا كَثِيرَةٌ، وَلَيْسَ فِي مُقَابَلَتِهَا قَطْعِيٌّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا لِأَجْلِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهَا عَارِفَةٌ بِرَبِّهَا جَلَّ شَأْنُهُ.

(قَالَ) : وَأَمَّا أَنَّ لَهَا رُسُلًا مِنْ جِنْسِهَا فَلَا أَقُولُ بِهِ وَلَا أُفْتِي بِكُفْرِ مَنْ قَالَ بِهِ. وَأَمَّا أَنَّ الْجَمَادَاتِ حَيَّةٌ مُدْرِكَةٌ فَأَمْرٌ وَرَاءَ طَوْرٍ عَقْلِيٍّ، وَاللهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. اهـ.

نَقُولُ: أَمَّا مَذْهَبُ التَّنَاسُخِ، فَهُوَ مِنَ الْأَسَاطِيرِ الْخُرَافِيَّةِ، الَّتِي وَلَّدَتْهَا الْخَيَالَاتُ الشِّعْرِيَّةُ، فَلَا نُضَيِّعُ الْوَقْتَ بِالْخَوْضِ فِي بَيَانِ بُطْلَانِهَا.

وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ لِلْحَيَوَانَاتِ أَنْفُسًا نَاطِقَةً، فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهَا كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ فَتَحْقِيقُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِ هَذِهِ النَّفْسِ. وَأَيْنَ مَنْ يَدَّعِي هَذَا وَيُثْبِتُ دَعْوَاهُ؟ وَلَا يُنْكِرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى إِلْمَامٍ بِعِلْمِ الْحَيَوَانِ مَا أُوتِيَهُ بَعْضُ أَنْوَاعِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِدْرَاكِ الَّذِي يَفُوقُ بِبَعْضِهِ إِدْرَاكَاتِ النَّاسِ، وَلَكِنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي مَنَاطِقَ ضَيِّقَةٍ جِدًّا؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِحِفْظِ حَيَاتِهِ الْفَرْدِيَّةِ وَالنَّوْعِيَّةِ، وَهِيَ مَحْدُودَةٌ ضَيِّقَةٌ. وَلَعَلَّنَا نُفَصِّلُ الْقَوْلَ فِيهَا فِي تَفْسِيرِ آيَةٍ أُخْرَى. وَإِدْرَاكُ الْبَشَرِ لَا تَنْحَصِرُ أَنْوَاعُهُ وَلَا أَفْرَادُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ اسْتِعْدَادُهُ الْعِلْمِيُّ غَيْرَ مَحْدُودٍ بِحَدٍّ؛ لِأَنَّهُ خُلِقَ لِحَيَاةٍ غَيْرِ مَحْدُودَةٍ بِحَدٍّ، وَهِيَ حَيَاةُ الْآخِرَةِ، وَدَعْوَى تَكْلِيفِ الْحَيَوَانِ الْأَعْجَمِ وَبِعْثَةِ رُسُلٍ مِنْهُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ مِنْ أُمَمِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>